قبل
أن يحط وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، في مطار رفيق الحريري الدولي في
بيروت، مساء أمس، في زيارة خاطفة للبنان يلتقي خلالها رئيسي الجمهورية ميشال عون،
والمجلس النيابي نبيه بري، لم يُدرج لقاء الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة
سعد الحريري ضمن لقاءاته على الأقل رسمياً، مع أن الهدف من زيارته حث المعنيين
بتشكيلها على رفع الشروط التي تعيق ولادتها لإعادة الروح إلى المبادرة التي أطلقها
الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان.
وعلى
الرغم من أن الأسباب التي تكمن وراء استثناء الحريري من لقاءاته ما زالت مجهولة،
هذا في حال لم يبادر لودريان إلى إدخال تعديل على برنامج لقاءاته ليشمل الرئيس
المكلف، فإن مصادر سياسية وثيقة الصلة برؤساء الحكومات السابقين لا ترى مبرراً
لـ«حرده» منه، إلا إذا أراد تمرير رسالة تنم عن انزعاجه من الاستجابة لرغبة باريس
في ترتيب لقاء يجمعه برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لاعتقادها
أنه يحتكر بالنيابة عن رئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة.
ولفتت
المصادر إلى أن الحريري ثابت على موقفه، وصامد في وجه حملات التهويل والابتزاز،
ولن يتزحزح عن ثوابته التي تشكل الإطار العام لتشكيل الحكومة، وقالت لـ«الشرق
الأوسط» إن رؤساء الحكومات السابقين يتفهمون موقفه، ويقفون إلى جانبه، ولا يرون
مبرراً للتفريط بهذه الثوابت التي كان ماكرون قد أدرجها في خريطة الطريق لإنقاذ
لبنان، إلا إذا كان المطلوب منه أن يطلق رصاصة الرحمة على المبادرة الفرنسية،
ويوافق على تشكيل حكومة بأي ثمن.
وعدت
أن التذرُّع بالتطورات الجارية في المنطقة، في ضوء التواصل بين القوى الإقليمية
والدولية المتخاصمة لدفع الحريري إلى التسليم بشروط الآخرين التي تطيح بمضامين
المبادرة الفرنسية، ولا تحقق الأهداف المرجوة منها لإنقاذ لبنان، فإنه ليس في وارد
الرضوخ للابتزاز بصفته أمراً واقعاً.
وأكدت
أن استثناء الحريري من لقاءات لودريان، إذا حصل، يعني أن باريس أقدمت على دعسة
ناقصة، وإلا كيف يمكن التعامل مع محادثاته بصفتها خريطة طريق لإخراج تأليف الحكومة
من التأزُّم الذي يحاصرها، ما دام أنه يستبعد اجتماعه بالحريري، فيما يلتقي الطرف
الآخر المعني بتشكيلها؛ أي رئيس الجمهورية؟.....
ورأت
أن تنازل عون عن دوره في خصوص تشكيل الحكومة لا يُلزم الحريري بلقاء باسيل، إلا
إذا تقرر التعامل معه على أنه «رئيس الظل»، وقالت إن ما قيل ويقال عن الموقف الذي
سيتخذه الحريري لا يعبر عن موقفه.
وسألت
المصادر نفسها: لماذا يصر بعضهم على تبسيط الأمور، وبالتالي استسهال المخارج،
بتقديم باسيل على أنه لن يُفرج عن تشكيل الحكومة إلا بشرط اجتماعه بالحريري؟ مع أن
باريس كانت تشكو منه، وتلوم عون على انتداب صهره لينوب عنه بالتفاوض في مسألة
تشكيلها.
وكشفت
أن الحريري لم يقفل أبوابه بوجه أحد، ويمكن لباسيل أن يطلب الاجتماع به بصفته رئيس
أكبر كتلة نيابية، وإنما في بيروت وليس في أي بلد آخر، وقالت إن الحريري أبلغ
باريس بأنه لا مانع لديه من لقاء عون، برعاية فرنسية أو بدعوة الأطراف الرئيسية
التي كان قد التقاها ماكرون خلال زيارته الثانية للبنان لاجتماع تستضيفه العاصمة
الفرنسية، أو للقاء في بيروت برعاية فرنسية.
وأكدت
أن باريس تسعى إلى إنقاذ مبادرتها بأي ثمن، بعد أن أوقعت نفسها في هفوات غير مبررة
ناجمة عن الارتباك الذي وقع فيه بعض أعضاء الفريق الفرنسي المولج بمتابعة
الاتصالات بالقوى السياسية للوصول بتأليف الحكومة إلى بر الأمان، ورأت أن لا مبرر
للتسليم بشروط باسيل، ومن خلاله «حزب الله» الذي يتطلع إلى ترحيل تشكيلها لربطها
بمصير المفاوضات الأميركية - الإيرانية.
وتوقفت
المصادر نفسها أمام الموقف الروسي، وقالت إن موسكو، وإن كانت تصر على تشكيل حكومة
مهمة لا ثلث معطلاً فيها لأحد، ومن اختصاصيين من غير المحازبين، وتدعم وجود
الحريري على رأسها، فإنها أوقعت نفسها في مشكلة بتبنيها ما تبلغته من باسيل، بأن
الحريري يصر على احتكار التمثيل المسيحي، إضافة إلى مراعاتها طلب باريس أن تشكيلها
يبدأ بلقاء الحريري - باسيل.
وعدت
أن الموقف الروسي يتأرجح، وإن كانت موسكو تصر على تشكيل الحكومة لتثبيت الاستقرار
في لبنان، لأن تهديده يمكن أن ينعكس على الداخل السوري، وبالتالي تنظر إلى الوضع
في لبنان من زاوية حماية مصالحها في سوريا التي تشكل لها النافذة الوحيدة لموقعها
في المياه الدافئة في الشرق الأوسط.
وأكدت
أن لبنان يُعد الحديقة الداخلية لفرنسا في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب منها اتباع
سياسة متوازنة، وأن استبعاد الحريري من لقاءات لودريان يؤدي إلى الإخلال بالتوازن،
لاستبعاد المكون السني من المحادثات، وقالت إن عون، وبإصرار من باسيل، كان ضد
تسمية الحريري لتشكيل الحكومة، وبالتالي ما عليه إلا أن يوافق على التشكيلة التي
يعرضها عليه الرئيس المكلف، ويعمل على إسقاطها في البرلمان.
لذلك،
فإن ما يقال عن أن الحريري ما قبل مجيء لودريان إلى بيروت غيره ما بعد مجيئه لن
يجد حضوراً له في موقفه، لأنه ليس من الذين يقيمون وزناً لردود الفعل، وهو كان
-ولا يزال- يتمسك بالمبادرة الفرنسية، كونها تعيد لبنان إلى خريطة الاهتمام الدولي
والإقليمي.
وعليه،
فإن الحريري يتمسك بالمبادرة الفرنسية على قاعدة عدم المساواة بين من يسهل تشكيل
الحكومة ومن يعيق ولادتها، ويعرقل الجهود الرامية إلى إنقاذ لبنان، أو من يضع
لبنان المأزوم في معادلة هجينة تدفع باللبنانيين للخيار بين باسيل أو الفوضى.
كما
أن الحريري يحتفظ لنفسه بالموقف الذي يمكن أن يتخذه على قاعدة ثباته أمام خياره
الإنقاذي، وعدم الانجرار إلى حملات السجال، وصولاً إلى استدراجه إلى اتخاذ موقف
يخالف قناعاته، ولن يجر البلد وينجر في موقفه إلى ملعب الآخرين الذين يجب عليهم
مراجعة حساباتهم، بدلاً من أن يتورطوا ويورطوا البلد في أزمات هو في غنى عنها لأنه
لم يعد يحتمل تمديدها، وإن كان يفضل الصمت حيال ما يُنسب إلى مصادره من رد فعل لا
أساس له من الصحة، ولا علم لها به.
(الشرق
الاوسط)
تعليقات
إرسال تعليق