(خضر حسان ـ المدن)
لا خيار أمام الصيدلاني سوى الإقفال
مؤقتًا. فمواجهة المرضى لا تجدي نفعًا طالما أن أصل المشكلة والحل في مكان آخر.
لكن هذا الخيار يخسر قوّته تدريجيًا بفعل التجاهل الرسمي. وعليه، قد لا يبقى
للصيدلاني سوى الإقفال النهائي. وهو خيار حُسِمَ سابقًا بالنسبة لنحو 700 صيدلية،
فيما يطرح عدد غير قليل هذا الخيار وسط استحالة إكمال العمل بالنحو الذي يسير
عليه. أما قلّة قليلة من الصيدليات، فتتابع عملها كالمعتاد، وتراكم أرباحًا مالية
ومخزونًا كميًّا، يُترَك لساعة رفع الدعم.
إلتزام لافت
من الشمال إلى الجنوب، كان اليوم
الأول للاضراب ناجحًا. كاد اليوم الثاني أن يكون أقلَّ التزامًا، لكن الصيادلة
آثروا التواصل فيما بينهم، وذهب بعضهم نحو خيار القيام بجولات سيّارة على المناطق
للتأكد من الالتزام، وحث غير الملتزمين على إقفال الأبواب. فكان اليوم الثاني على
قدر التطلعات، بانتظار اليوم التالي.
الخروقات وجدت طريقها إلى بعض
المناطق، من دون إحداث خلل في المشهد العام، ذلك أن تفاقم الأزمة منذ القرار
التصعيدي للصيادلة في آذار الماضي، لم يُقابَل على مستوى الدولة بأي حلول مقنعة.
فقرار وزارة الصحة المتّخذ في 7 نيسان، والقاضي بتعديل هامش ربح الصيادلة على بعض
الأدوية، سَقَطَت مَنفَعَته الضئيلة في الأصل، بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار
والتآكل الإضافي للقدرة الشرائية للعملة اللبنانية، ما جعل الإضراب أكثر قبولًا
مما كان عليه سابقًا. فحتى الصيادلة المحسوبين على أحزاب السلطة الحاكمة غير
قادرين على الاستمرار بعملهم، ولا تقدّم لهم أحزابهم أي دعم.
وإن كان الاعتراض الحزبي أو التحرك
بالشارع غير مقبول لدى الأحزاب، لا يجد الصيادلة أمامهم سوى الإضراب القطاعي. وهذا
لا ينفي محاولة الأحزاب ثني الصيادلة عن قرارهم، فأي حركة اعتراضية ستصب في مصلحة
تأجيج الشارع وحث قطاعات أخرى على الاعتراض. لكن في الوقت عينه، لا تفقد الأحزاب
تدريجيًا سلطتها على مناصريها وبعض محازبيها، ما يترك للمصلحة المهنية صحّة تمثيل
أصحابها والتعبير بصدق عن هوية الأزمة.
رفع الدعم
كأي قطاع آخر، تتّضح معالم المرحلة
الجديدة، ويعزّز وضوحها الاكتشاف المتكرر للأدوية وحليب الأطفال والمستحضرات
المخزّنة في المستودعات، لدى الشركات المستوردة وبعض الصيدليات. وبالتوازي، حقيقة
وصول مصرف لبنان إلى آخر مراحل رفد الاستيراد بدولار مدعوم. مما لا يترك مجالًا
لتأمين الأدوية والحليب والمستحضرات الطبية، سوى بالدولار المسعَّر وفق حركة السوق،
وبالتالي ستحلّق الأسعار، فيصبح تأمين الدواء ممنوعٌ بقوّة السعر لا بقوّة حجبه عن
رفوف الصيدليات. وحينها، سيقع الصيادلة في معضلة تراجع حركة البيع بسبب عدم قدرة
اللبنانيين على الشراء بأسعار مرتفعة، ما ينعكس تراجعًا في حركة البيع لدى
المستوردين، وتاليًا في حركة الاستيراد، ويصبح المستوردون أيضًا أمام تكدّس
الأدوية في المستودعات في حال عدم إجراء حسابات دقيقة لحركة البيع.
وإذا اختلَّ ميزان المبيع بما لا
يخدم المستوردين، يصبح هؤلاء أمام معضلة مع الشركات المنتجة للأدوية والتي تفرض
على المستورد، بشكل سنوي تقريبًا، حدًّا أدنى من قيمة الاستيراد. ويزداد هذا الحد
تلقائيًا حسب حجم طلب كل مستورد، ويُفرَض على الأخير استيراد كميات إضافية من
الأدوية وإلا يُحرَم من مجمل الطلب. فمن كانت فاتورته السنوية نحو 100 ألف دولار
على سبيل المثال، لا يمكنه طلب فاتورة بأقل من هذا المبلغ. فإما أن يطلب بالقيمة
عينها وإما يخسر حقه في الطلب، وربما يترتّب عليه تبعات أخرى، حسب كل شركة. ورفع
الدعم في هذه الحالة، له وجه سلبي على الصيادلة والمستوردين، وليس فقط على
المواطن.
كل التكهّنات والاحتمالات والوقائع، لا تسلك مسارًا إيجابيًا إلا لدى قلّة قليلة من الأشخاص والشركات. والمؤكّد أن قطاع الصيادلة لن يكون بخير في المرحلة المقبلة، ومثله المرضى.
تعليقات
إرسال تعليق