كتبت صحيفة " اللواء"
دقّ قصر بعبدا باب عين التينة، ببيان
أقل ما فيه انه يتجاهل متغيرات دستور ما بعد الطائف، ودور رئيس المجلس، سواء في
الحضور إلى بعبدا لاطلاعه على نتائج الاستشارات الملزمة، أو تحديد مواعيد مشاورات
التأليف النيابية غير الملزمة من قبل دوائر مجلس النواب... تريث الرئيس نبيه برّي،
الذي وضع دوره السياسي والدستوري في ميزان «الارتياب العوني» بناءً لطلب من حزب
الله، وعلى خلفية الصباح رباح، ليخرج ببيان، يتمتع بقوة القضية المحكمة، وليسدد
ضربة في الدستور والسياسة والممارسة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه
القريب والبعيد في بعبدا..
حرص برّي على صياغة البيان الذي شغل
الأوساط السياسية ظهر أمس، ليس على خلفية أحقية الردّ، بل المضامين والدلالات..
فالنقطة الأهم دستورياً، ان مسألة إصدار مرسوم تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف
الحكومة الذي اختارته الأكثرية النيابية في الاستشارات الملزمة.. وجاء في بيان
برّي، الذي برر تحركه بأنه باسم الشعب اللبناني، ليبلغ القصر: «قرار تكليف رئيس
الحكومة خارج عن إرادة رئيس الجمهورية، بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة
التشريعية».
والنقطة المهمة الثانية أيضاً: لا
يحق لرئيس الجمهورية القول: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة، فقرار التكليف
ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدوّية جواباً على رسالتكم إليه..
والنقطة الثالثة: «جدار القسطنطينية
ينهار مع رفض مبادرة وافق عليها الغرب والشرق وكل الأطراف الا طرفكم الكريم»..
والاهم بعد تعرية أداء بعبدا
الدستوري، وحصر الصلاحية بالتوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها،
التأكيد من بري: المطلوب حل وليس ترحالاً والمبادرة مستمرة.
بعبدا ترد
وفي وقت لاحق، جاء ردّ من بعبدا، على
لسان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، لم يخلُ من قفز فوق الوقائع، وأخذ النقاش
إلى السجال، في نقاط في غير محلها. فأولاً، سجلت بعبدا استغرابها لطريقة برّي «في
التخاطب السياسي شكلاً». وبكل سذاجة وتلاعب، تستغرب بعبدا ردة فعل برّي، التي
تصفها بغير المتوقعة، وتتهم رئيس المجلس بعدم فهم «وقع رئيس الجمهورية في التركيبة
الوطنية».
ومن الاستغراب إلى المفاجأة إلى
الأسف: «فمن المؤسف حقاً ان يتحدث الرئيس بري عن عدم حق الرئيس بالحصول على وزير
واحد في الحكومة، مبرراً ذلك بعدم مشاركته في التصويت، وكأنه أراد بذلك ان يؤكد ما
بات مؤكداً بأن الهدف الحقيقي للحملات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية، هو تعطيل
دوره في تكوين السلطة التنفيذية ومراقبة عملها مع السلطة التشريعية، واقصاؤه
بالفعل حيناً، وبالقول احياناً، عن تحمل المسؤوليات التي القاها الدستور على
عاتقه». وفي محاولة لطعن الدستور بالعمق، لا سيما الفقرة 2 من المادة 53: «يسمي
رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى
استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها». يمنن بيان بعبدا الرئيس برّي
بقوله: «رئيس الجمهورية تجاوب مع إرادة مجلس النواب وتم تكليف الرئيس الحريري
بقرار صادر عنه».
فهل المسألة تجاوب أم انه ملزم؟
واعتبر البيان ان رئيس الجمهورية بهذا القرار هو مضحٍ.. فقد «تغاضى عن الكثير من
الإساءات والتعرض للرئاسة ولشخص الرئيس والصلاحيات، كل ذلك في سبيل تسهيل تشكيل
الحكومة على الرغم من محاولة ابتكار اعراف دستورية جديدة». ومن يقرأ البيان يخال
ان «الحكومة تألفت والمراسيم صدرت، دون ان يغفل البيان اتهام برّي بتهميش رئيس
الجمهورية والحد من صلاحياته، دون إسناد الكلام عن حق لرئيس الجمهورية بتكوين
السلطة الاجرائية ومراقبة عملها»؟!
ولاحقاً، صدر عن مكتب برّي (بيان رقم
2) فيه: لنا الرغبة ان نصدق، ونذكر ان رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون صاحب
القول: بعدم أحقية الرئيس ميشال سليمان بأية حقيبة وزارية أو وزارة.. مجدداً
الدعوة إلى الحل.
وتساءل في بيان ثالث: لماذا أعلن
تكتل لبنان القوي: انه لن يُشارك ولن يعطي الثقة للحكومة. وجاء الردان من عين
التينة على ردّ ثانٍ من بعبدا خلاصته ان الرئيس سليمان لم يكن لديه، عند انتخابه،
أي تمثيل نيابي ولم يحظ بدعم اكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، كما هو حال الرئيس
عون حاليا. ومع ذلك، اعطي الرئيس سليمان ثلاثة وزراء على الأقل في كل حكومة تم
تشكيلها حتى نهاية عهده.
كيف يقرأ حزب الله الموقف؟
ووسط هذا الاحتدام غير المسبوق «لحرب
البيانات» بين الرئاستين الأولى والثانية، مضى حزب الله إلى التحذير من مخاطر
انهيار الدولة، على لسان السيد هاشم صفي الدين، بالتزامن مع إيفاد رئيس وحدة
الارتباط في الحزب وفيق صفا إلى منزل النائب جبران باسيل، لاحتواء الخطاب المتصاعد
والعودة إلى لغة الحوار.. قبل ذلك، قالت مصادر في الثنائي الشيعي لـ«اللواء» انه
«غير مسموح لباسيل ان يتحدى الرئيس برّي، ويعرقل جهوده لحل الأزمة الحكومية».
ووصفت مصادر الثنائي لعبة باسيل «بالابتزاز الخاسر» مع حزب الله، واصفة سلوكه بأنه
تخطٍ لكل الخطوط الحمراء، الأمر الذي يضع تفاهم مار مخايل على الطاولة في ضوء
حملات عونيين على حزب الله.. مما يجعل الطرفين يحضران لاجتماع عمل على هذا
الصعيد..
الجنوح إلى التهدئة
وليلاً بدا ان فريق بعبدا يجنح إلى
التهدئة، والتراجع، بعد «النهار الكبير» بتعرية الأداء الدستوري لبعبدا وفريقها،
وانفضاح الضعف في ردود القصر على بيانات الرئيس برّي، المدعمة بالنص الدستوري،
والوقائع السياسية، ومواقف الرئيس عون نفسه. وتحدثت الـ«O.T.V» عن تواصل رفيع المستوى ستشهده الساعات القليلة المقبلة، يؤمل ان
يكون له انعكاس إيجابي على الوضع العام. وأعربت مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي
عن الخشية من تحرك الشارع، الذي تسعى إلى الابتعاد عنه، متخوفة من اندلاع حرائق
سياسية، وعلى الأرض والمطالبة بوضع استقالة رئيس الجمهورية على الطاولة.
سبات عميق
وقالت اوساط سياسية مطلعة لـ«اللواء»
أن ما جرى من حرب بيانات بين بعبدا وعين التينة ادخل الملف الحكومي في سبات عميق
اقله لفترة حتى وإن برز كلام عن استمرار المبادرة مشيرة إلى أنه تم تعليق أي إشارة
صغيرة في هذا الملف ويكاد الجميع يجزم انه اصبح في خبر كان. ورأت الأوساط نفسها أن
هناك بعض الشكوك حول المبادرة ومصيرها ولذلك قد تكون الحاجة ضرورية لترقب الفترة
المقبلة وكيفية ترتيب ما استجد مؤكدة أنه في ظل الوضع الحاصل فإن أي بصيص امل صغير
بالانقاذ غير متوافر..
وعلمت «اللواء» من مصادر متابعة
لمساعي تشكيل الحكومة، ان هناك مساعيٍ تُبذل من قبل وسطاء مقربين من الرئيسين عون
وبري لتبريد الاجواء المتوترة بين الرئيسين، بعد البيانات التصعيدية التي صدرت عن
رئاسة الجمهورية وعن رئاسة المجلس النيابي خلال اليومين الماضيين. وقالت المصادر:
ان كل شيء توقف الآن حتى مبادرة الرئيس برّي ولو مؤقتاً، على أمل تبريد الاجواء
ومن ثم استئناف الاتصالات، وإلّا سنصل الى طريق مسدود نهائياً، علماً ان رئيس
المجلس اكد في ختام بيانه امس ان مبادرته ما زالت قائمة ولن تتوقف رحمة بالبلاد.
وذكرت المصادران اعتذار الرئيس الحريري وارد لكنه لن يتم بطريقة تريح الرئيس عون
والتيار الوطني الحر. وهو ما ستظهره الايام لو تقرر الاعتذار. واي خطوة يقدم عليها
ستكون منسقة مع الرئيس بري، ولكنه يفكر ايضا في انعكاسات اي خطوة على وضع البلاد
والناس والاقتصاد والوضع المعيشي، لذلك سيكون كل شيء محسوباً بدقة.
وعلى خطٍ موازٍ، قال نائب رئيس تيار
المستقبل الدكتورمصطفى علوش لـ «اللواء» تعليقاً على بيان الرئيس بري وماذا بعده:
ان الرئيس عون وجبران باسيل باسيل اوصلا الامور الى هذا الوضع، والخطوة المقبلة
بيد الرئيس الحريري الذي هو على تنسيق تام مع الرئيس بري في كل خطوة. لننتظر ونرَ.
واشارت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الى ان انفجار الخلاف بين الرئاسة
الأولى والثانية على هذا المستوى، سيؤثر بالطبع على الجهود المبذولة لاطلاق عملية
تشكيل الحكومة، وقد يفرملها لبعض الوقت ،ريثما يتم تبريد الاجواء والمواقف
السياسية وتعاود وتيرة الاتصالات بين الجانبين من جديد.
لكن المصادر استدركت قائلة: برغم حدة
الاشتباك السياسي ، ترك الطرفان اكثر من نافذة مفتوحة في معظم بياناتهم، ورغبة
جدية لمعاودة الاتصالات بين الأطراف من جديد في حين، يطرح السؤال الاساس، هل حان
وقت تأليف الحكومة محليا واقليميا ودوليا، ام ان مصيرها مايزال معلقا لحين نضوج
الملف النووي الايراني مع الولايات المتحدة الأميركية وانجاز الصفقة المرتقبة
بخصوصه؟..... وكان الرئيس الحريري استقبل عصر أمس في «بيت الوسط» السفير الروسي
ألكسندر روداكوف، في حضور المبعوث الخاص للرئيس الحريري إلى روسيا جورج شعبان
والمستشار للشؤون الدبلوماسية الدكتور باسم الشاب، وعرض معه آخر التطورات السياسية
في لبنان والعلاقات الثنائية بين البلدين.
باسيل: مُلزَمون بخيار الحريري
وبالمقابل، برز موقف للنائب باسيل
كرر فيه تمسّكه بتشكيل حكومة برئاسة الحريري. وقال من ساحة النجمة حيث عقدت اللجان
المشتركة جلسة لمناقشة قانون البطاقة التمويلية : نحن مع تأليف حكومة بسرعة برئاسة
الرئيس المكلف سعد الحريري، وهذا الخيار نحن ملزمون به وفق الدستور. ونتمنى أن
تكون هناك مبادرة سريعة في إتجاه اتخاذ الخطوات المطلوبة على هذا الصعيد، مع
الإشارة الى ان الأولوية المطلقة للحكومة هي بتنفيذ الاصلاحات، والى حين حصول هذا
الامر وهو واجب وضروري وسريع، يمكن للمجلس القيام بعمل كبير واقرار القوانين لحل
الكثير من مشكلات اللبنانيين. ونحن اليوم امام تجربة من هذا النوع في موضوع قانون
ترشيد الدعم واقرار البطاقة التمويلية. ولا يجوز أن يبقى اللبنانيون أسرى
الاستنسابية كي لا اقول المزاجية.
تعليقات
إرسال تعليق