مخاض التكليف: هل يتعرّض العهد للعقوبات؟

  

كتبت صحيفة " النهار " تقول :

لم يكن أدلّ على طبيعة المرحلة الأشدّ تعقيداً من المرحلة التي سبقتها والتي انتهت مع ‏اعتذار الرئيس #سعد الحريري عن عدم #تشكيل الحكومة الخميس الماضي من صعوبة ‏سوق أي تكهّنات وتوقّعات مسبقة حيال الأيام الاتية، حتى تلك المتصلة بموعد استحقاق ‏اجراء استشارات نيابية ملزمة ل#تكليف الشخصية الجديدة بتشكيل الحكومة المو#عودة ‏منذ استقالة حكومة حسان دياب.

 

ذلك ان الأيام الخمسة المنصرمة حتى اليوم، منذ اعتذار ‏الحريري رسمت مزيداً من الظلال الكثيفة فوق المشهد السياسي الداخلي في ما يتعلق ‏بالاتجاهات البالغة التعقيد التي ستواجه العهد خصوصاً، والقوى السياسية عموماً، حيال ‏بلورة اسم شخصية سنّية لا تفجر صراعاً ذا طابع طائفي بغيض هذه المرة اذا ركب بعض ‏أصحاب الرؤوس الحامية والمتعنتة مركب التحدي الاستفزازي للمكوّن السني بأكثريته ‏الملتفة حول الرئيس الحريري حالياً خصوصاً لجهة مواجهة العهد في أي خطوة استفزازية ‏جديدة قد يقدم عليها.

 

وتبعاً لذلك اظهرت الأيام الأخيرة بعد الاعتذار حقائق وثوابت لن يكون ‏ممكناً للعهد ولا لحليفه "حزب الله" ولا لأي طرف اخر تجاهلها، ومن ابرزها ان العهد بدأ ‏مواجهة سقوطه في حفرة خطيرة لن ينفعه اصطناع الظهور بمظهر المنتصر فيها من خلال ‏‏"نجاحه" في حمل الحريري على الاعتذار محققاً له الهدف الذي تحصن خلفه طوال تسعة ‏اشهر.

 

اذ ان العهد بدأ يواجه المرحلة الأشد صعوبة لجهة الخيارات القاسية التي تتصل إما ‏بانصياعه لشروط متشددة للحريري مدعوماً من رؤساء الحكومات السابقين لتزكية نجيب ‏ميقاتي او تمام سلام وإما لا دعم ولا تسمية لأي اسم تبعاً للقرار المتخذ الان لدى كتلة ‏المستقبل والرؤساء الأربعة، الحريري وميقاتي وسلام وفؤاد السنيورة، ومن خلفهم دار ‏الفتوى حتماً.

 

ولذا لم تكن ناجحة اطلاقاً المناورات الأولية الضعيفة والسطحية التي خاضها ‏فريق بعبدا من خلال تسريبات متنوعة حول أسماء لم يؤد تسريبها سوى الى زيادة انكشاف ‏حالة الاحراج التي تحاصره خصوصا ان بين الأسماء التي يجري تداولها من رفض التلاعب به ‏لمجرد حرق اسمه في مناورات كهذه.

 

أما الخيار الأقسى الذي بدأت تتكاثر مؤشراته فيتمثل ‏في مرحلة إنسداد مفتوحة داخلياً بحيث يتعذر اجراء استشارات حاسمة بما يملي تجميد ‏تحديد موعدها فيما علم ان بعض الفريق السلطوي الحاكم يضغط لاجراء الاستشارات ‏بالسرعة القصوى وبعد عطلة الأضحى مباشرة في ما يعتقد هؤلاء انه يشكل ضغطاً على ‏سائر القوى لتحدد مواقفها من تسمية رئيس مكلف مهما جاءت نتيجة الاستشارات.

 

وفي ‏ظل هذا الاتجاه تردد مساء امس ان رئيس الجمهورية ميشال عون يتجه اليوم الى اعلان ‏تحديد موعد الاستشارات اما في نهاية الأسبوع الحالي او في مطلع الأسبوع المقبل.

 

العقوبات؟

ولكن اذا كانت السمة اللافتة التي طبعت حدث الاعتذار منذ اللحظة الأولى هي مسارعة ‏الدول المعنية بلبنان الى اطلاق المواقف المشددة على اجراء الاستشارات النيابية الملزمة ‏الجديدة فإن ذلك لا يعني في نظر أوساط ديبلوماسية مطلعة ان الضغط الدولي لا يواجه ‏أيضاً اختباراً جديداً بعدما فشل في التجربة السابقة.

 

وفي جديد المعطيات الخارجية ما أفادت به مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين ‏ان مصدراً فرنسياً رفيعاً اكد لـ"النهار" ما كشفته مصادر ديبلوماسية غربية من ان وزير ‏الخارجية الأميركي انطوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان قررا خلال لقائهما ‏الأخير بعث رسالة مشتركة قصيرة وقاسية حملتها السفيرتان الفرنسية ان غريو والاميركية ‏دوروثي شيا الى الرئيس ميشال عون قبل وقت قصير من لقائه الرئيس المكلف سعد ‏الحريري واعتذار الاخير. واهم ما حمله مضمون رسالة الوزيرين ولهجتها يعكس خطورة ‏الوضع اذ يدعوان فيها الرئيس عون بصفته رجل دولة عليه الى ان يعي مسؤوليته ازاء بلد ‏يراه ينهار دون التحرك. وقد اشار لودريان الى القرار المبدئي الذي اتخذه وزراء خارجية ‏الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات اوروبية على المسؤولين اللبنانيين الذين يستمرون في ‏تعطيل الوضع السياسي اللبناني.

‎ ‎

وتبعا لذلك ستترقب الأوساط المعنية مسار الأيام القليلة المقبلة علماً ان عطلة عيد ‏الأضحى ستشكل ذريعة أساسية لدى العهد للتذرع بمآل بطيء للاستشارات النيابية في ‏انتظار بلورة إمكانات التوافق على الشخصية التي ستقبل التكليف، والا فان البلاد ستكون ‏على موعد مع تطويل لا محدود للأزمة بكل ما يستبطنه ذلك من اخطار وتداعيات إضافية ‏في شتى المجالات.

‎ ‎

تداعيات داخلية

وفي حين ينتظر ان تشكل عطلة الأضحى من غد فرصة لبلورة الاتجاهات من مرحلة ما بعد ‏اعتذار الحريري قال نائب رئيس "تيار المستقبل" مصطفى علوش امس أنّ "‍رئيس ‏الجمهورية برهن في كلامه يوم الاعتذار‍ انه لا يريد الحريري رئيساً للحكومة‍، ليس خوفاً من ‏فشل الحكومة بل من نجاحها بالقيام بإصلاحات معيّنة خصوصا في قطاع الكهرباء " كاشفاً ‏عن اتّفاق كان يعدّ مع شركة "سيمنز" يهدف الى تغيير واقع القطاع الكهربائي بغضون سنة ‏واحدة "وهذا ما كان يشكّل مشكلةً لدى فريق العهد خصوصا وأنه يحتلّ الطاقة منذ ‏سنوات ولم يتمكّن من اصلاح الكهرباء".

 

وعن امتناع الحريري من تسمية أو دعم أيّ بديل ‏عنه لتولي تشكيل الحكومة، أوضح علوش انّ "أي تسمية بهذا الإطار ستضع الحريري أمام ‏مسؤولية أي فشل محتمل"، مشيرا في المقابل الى أن "رئيس تيار المستقبل لا يضع فيتو ‏على أحد".

 

وإذ أكد علوش أن " كتلة المستقبل اتخذت قرارها بالامتناع عن التسمية في ‏الاستشارات النيابية المقبلة" لفت الى ألا ان "أحدَا من نادي رؤساء الحكومات السابقين ‏ليس مستعداً للتشاور مع رئيس الجمهورية بعد ممارساته مع الحريري لا سيما في مسألة ‏اتهامه بالكذب وإصراره الدائم على التنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل".

‎ ‎

في غضون ذلك لم يكن الموقف الأول للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس ‏‏الراعي بعد اعتذار الحريري مريحاً لأوساط عدة نظرا الى تجاهله دفع الفريق المعطل ‏للحريري الى خطوته فقال: "إننا باسم الشعب الفقير والمقهور والجائع والمشتت كخراف لا ‏راعي لها، وباسم وطننا لبنان الواقع في حال الانهيار، نطالب القوى السياسية كافة بأن ‏تتكاتف بحكم المسؤولية الوطنية، وتتشاور في ما بينها، وتسمي في الاستشارات النيابية ‏المقبلة شخصية سنية لرئاسة مجلس الوزراء الجديد، تكون على مستوى التحديات الراهنة، ‏وتتعاون للاسراع في التأليف".

 

واعتبر "إنه وقت تحمل المسؤوليات لا وقت الانكفاء. فالبلاد ‏لا تواجه أزمة حكومية عادية، بل أزمة وطنية شاملة تستدعي تضافر الجهود من الجميع، ‏وتواجه انقلابا جارفا على النظام والدستور والمؤسسات الشرعية، وتفككاً للقوى الوطنية ‏التي من شأنها خلق واقع سياسي جديد يعيد التوازن ويلتقي مع مساعي الدول الصديقة".

‎ ‎

اما متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة فتمنى "لو تصرف الزعماء ‏والسياسيون عندنا بمسؤولية تجاه هذا البلد وشعبه. ليتهم احترموا الدماء التي أهرقت على ‏مدى الأجيال من أجل الاستقلال الحقيقي. ليتهم ساروا في النهج المؤسساتي الذي يضمن ‏حسن سير العمل ونزاهته واستقلاليته، ولم يسكن قلوبهم شيطان الأنانية وحب الظهور ‏والجشع والتسلط الأعمى… فلا حرمة لدستور أمام مصالحهم، ولا قانون يطبق إلا بما ‏يوافقهم، ولا حصانات تسقط من أجل المصلحة العامة، بل هم فوق القانون والمحاسبة".

 

تعليقات