(د. ميشال الشماعي ـ نداء الوطن)
افتتح هذا الأسبوع في ضوء قراءات
متعدّدة لمواقف مختلفة طالت الساحة السياسيّة من تردّدات مقابلة فخامة الرئيس
ميشال عون الصحافيّة الأخيرة، إلى كلمته في الذكرى الثامنة والسبعين للإستقلال
اللبناني حتّى نتائج انتخابات نقابة المحامين في بيروت والشمال، ليس انتهاءً بشكوك
شبه مؤكّدة بانسحاب شركة "ألفاريز ومارشال" المكلفة من جانب الحكومة
اللبنانية التدقيق في الحسابات المالية للدولة، بعدما اصطدمت باستمرار المصرف
المركزي في رفض تزويدها بداتا المعلومات التي تطلبها. وذلك على وقع ارتفاع عدد
المغتربين المسجّلين للإنتخابات النيابيّة المقبلة مع العلم بأنّ قطار الطعن
بالقانون قد انطلق من بوّابة تكتل لبنان القوّي. أمام هذه الوقائع، هل من بصيص أمل
لتستعيد عجلة المؤسسات انتظامها في حكومة العهد الأخيرة؟ وهل سيستطيع اللبنانيّون
الصمود حتّى تتسنّى لهم المواجهة في الانتخابات القادمة؟
لقد أعلن فخامته موقفه بشكل علني من
مسألة الفراغ الرئاسي وكيفيّة تصرّفه في حال وقوعه، فهو لن يسلّم إلى الفراغ. وذلك
على ضوء تسريبات رشحت من قصر بعبدا بأنّ الوزير جريصاتي قد أعدّ دراسة قانونيّة
دستوريّة تسمح لفخامته بالبقاء في القصر حتّى انتخاب خلف له. مع ما يعني ذلك من
إلقاء للقبض على ذمّة الدّولة الدستوريّة والقانونيّة ليستطيع فخامته المقايضة مع
وصول صهره الذي من المحتمل جدّاً أن يفقد وظيفته في الدّولة اللبنانيّة كنائب
منتخَب بعد الانتخابات النيابيّة القادمة، ليتمكّن بعدها من الوصول إلى سدّة
الرئاسة.
أمّا الأبرز في كلمة الاستقلال التي
جاءت كتوصيفٍ للمفقودات ومع رشّة قليلة من البكاء على الأطلال، حيث وصّف فخامته
الإستقلال للدولة على أنّه "قرارها الحرّ، وحماية مصلحة الوطن مع المحافظة
على أفضل العلاقات مع جميع الدول". وهذا ما هو غير موجود نتيجة للسياسات
التحالفيّة التي أصرّ على إنكارها في مقابلته الأسبوع الفائت، وصنّفها في خانة
التفاهمات.
كما رأى فخامته بأن " الاستقلال
للمواطن هو مؤسّسات دولة قادرة وموثوقة، تحميه وتؤمن له حقوقه، ويؤمن لها ما عليه
من واجبات". وهذا ما لا يجده أيّ مواطن في لبنان اليوم إذ فقد ثقته بالدّولة
ومؤسّساتها التي تتعامل بالقضاء مع شعبها على قاعدة صيف وشتاء تحت سماء واحدة، حيث
يوقف المعتَدَى عليه، ويُبقي المعتدي حرّاً طليقاً، لو أمطر السماء بالرّصاص لأكثر
من ساعة في تشييع أحد رجالاته بعد حينٍ، مع ما أراده من ترويع لجيرته الهانئة التي
ترفض العيش من دونه.
لكنّ غبطة أبينا البطريرك الكاردينال
بشارة الراعي قال ما قاله ومشى صوب تحقيق الوطن والاستقلال الحقيقي. فلا استقلال
ولا دولة ولا شراكة من دون حياد ناشط وإيجابيّ وفاعلٍ. لا يستطيع اللبنانيّون
الاستمرار بالعيش معاً في ظلّ ممارسة فوائض القوّة بعضهم على بعض. وإن لم يتعلّموا
بعد حتّى هذه اللحظة من تجارب بعضهم بعضاً فعبثاً يبحثون عن وطنهم الضائع منذ
العام 1969.
ويبدو أنّ البالون الحراري الذي
استخدمه العهد وفريقه السياسيّ كشمّاعة علّقا عليها مواجهتهما السياسيّة قد فقع
وأصبحت مواجهتهم بحدّ ذاتها معلّقة مع وقف التنفيذ. وهذا ما أثبت بأنّه جزء لا
يتجزّأ من المنظومة عينها، وما ادّعاه زوراً وبهتاناً طيلة فترة حكمه بات حقيقة
ناصعة كالشمس. فالتدقيق الجنائي قد أبطلته هذه المنظومة عينها برضى العهد كي لا
نقول بإشرافه تماماً. وتسبّبت بهدر المزيد والمزيد من الأموال في محاولة
لاستثمارها سياسيّاً طيلة هذه الفترة. لكنّ ورقة التين قد سقطت والحقيقة صارت
وضّاحة كالشمس. وهذا ما يؤكّد مرّة أخرى التكامل والتضامن بين أركان هذه المنظومة
بأجزائها وأركانها كلّها.
ولا يبدو أنّ العجلة الحكوميّة ستعود
إلى دورانها المؤسّساتي الطبيعي نظراً إلى الشروط التي تضعها منظّمة "حزب
الله" لقبع القاضي البيطار كما صرّحت عبر مسؤولها الأمني وفيق صفا. فالمقايضة
ما نضجت بعد، ويبدو أنّها لن تنضج لا سيّما بعد إسقاط ما تمّ إعداده في ملفّ قضيّة
الطيّونة لجعلها موازية لقضيّة مرفأ بيروت. لكن صمود أهالي عين الرمانة وإصرارهم
على الالتزام بما يصدر عن التحقيق في القضيّة، قد أسقط هذه الذريعة من يد
المنظومة. ولو على حساب حرّيّة أبنائهم الذين ما زال بعضهم موقوفاً حتّى هذه
اللحظة، وبعضهم الآخر متوارياً عن الأنظار. وذلك برغم إثبات التحقيق عدم وجود
بعضهم في الميدان في يوم المواجهة الميدانيّة.
من هنا، صارت قضيّة انعقاد الحكومة
هي البديل للمقايضة وبقدر ما يصمد الرئيس ميقاتي بقدر ما يعطيهم ما لم يعطهم إيّاه
أهالي عين الرمانة الأحرار. وعلى ما يبدو أنّ هذه الحكومة قد صارت بحكم حكومة
تصريف الأعمال لكن من دون أن تقدّم استقالتها. والمطلوب اليوم من اللبنانيّين
الصمود أكثر، برغم قتامة هذه المرحلة وسوداويّتها، فلا بدّ لليل أن ينجلي. وذلك للوصول
إلى المواعيد المقرّرة للإنتخابات النيابيّة حتّى لو تمّ تمديدها إلى أيّار
المقبل، وهذا الأرجح لأنّ التمديد هنا لن يعني الإلغاء.
مع العلم أنّ هذا أقصى طموح الدويتّو
أي المنظومة والمنظّمة. لكنّ ذلك لن يتحقّق لهما بفعل الإرادة اللبنانيّة الصلبة
للتغيير، لا سيّما بعد انكشاف حقيقة التموضعات الإنتخابيّة بعد سلسلة الانتخابات
الطلابيّة والنقابيّة التي جرت والتي ستجري حتّى موعد الانتخابات. فالصراع الواضح
المعالم بات بين مجموعتين لا ثالثة لهما. مجموعة الدويتّو وانضمّ إليها كلّ الذين
لا مصلحة لهم بوصول مجموعة المواجَهَة أي الأحزاب المواجِهَة كحزب القوّات
اللبنانيّة مع بعض الشخصيّات المستقّلّة قولاً وفعلاً.
ويبدو أنّ مجموعة المواجهة ستتّسع
أكثر مقابل تصلّب مجموعة الدويتّو كي لا تخسر الكثير. ويبقى الرهان على الضمير
الحيّ لدى اللبنانيّين الكيانِيِّيْنَ الأصِيلينَ الذين لن يقبلوا بتبدّل وجهة
ووجه لبنان الكيانِيَّينِ. فهل يأتي الخلاص على يد هؤلاء اللبنانيّين أنفسهم؛ أم
سيقول أحرار العالم كلمتهم في لبنان، مع ظلّ تبدّل إقليميّ قد يصل من خلف البحار
أو من السماء؟
تعليقات
إرسال تعليق