(بقلم
مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات.. حسان القطب)
تحقيق
او تنفيذ الاستراتيجية السياسية يجب ان تكون خطة متكاملة، من الالف الى الياء..
والتعديلات التي تطرأ على التنفيذ تكون جزئية وتاتي في سياق تطبيق الخطة السياسية
بحيث يتوافق التعديل مع التطلعات الاستراتيجية للجهة او الدولة او التحالف او
المحور صاحب العلاقة..
ولكن
اذا ما نظرنا بعمق وواقعية الى واقع منطقة الشرق الاوسط ودولها.. نرى ان دول
اقليمية ثلاث (اسرائيل وايران وتركيا).. تتصارع او تتحالف احياناً على تقاسم
النفوذ او فرض امر واقع على دول المنطقة التي صدف ان كلها دول عربية.. ويمكن هنا
القول ونحن في مطلع او بدايات هذا القرن، ان الدول العربية تعتبرها الدول
الاقليمية الطامحة .. الرجل المريض، تشبيهاً بالوصف الذي التصق بالدولة العثمانية
مطلع القرن الماضي... والذي يجب ان تعلن وفاته وتقاسم ثروته وثرواته.. واعادة
تشكيله بما يخدم مصالحها واهدافها الاستراتيجية السياسية منها والامنية
والاقتصادية..؟؟
نتوقف
هنا مع الخطوات التي تقوم بها ايران والتي يبدو شكلاً انها تخدم الاهداف
الاستراتيجية الايرانية ولكنها في نهاية الامر سواء عن قصد او عن غباء أو سوء
تقدير .. تخدم الطموحات الاسرائيلية في المنطقة ...
توضيحاً
لهذا الوصف نجد ان ايران عملت على تعميق الانقسام العامودي بين شعوب المنطقة على
قاعدة الانتماء الديني والمذهبي.. مع افتراضها ان الميليشيات المذهبية مع بعض
التلوين من مجموعات دينية اخرى غير مؤثرة قد تشكل غطاءً مناسباً لتبرير تغيير
الامر الواقع... وابعاد الصبغة الدينية عنه.. ونستشهد هنا بما قاله احد مسؤولي
ايران عندما قال ان حدود ايران ليست مع العراق بل عند الناقورة جنوب لبنان... وان
ايران تحتل اربع عواصم عربية ولا يمكن اتخاذ قرار استراتيجي في هذه العواصم الا
بموافقة ايران مباشرةً من خلال ادواتها وميليشياتها.. واضاف اخر ان ايران اسست ستة
جيوش في المنطقة المحيطة بها للدفاع عنها وان من يريد مهاجمتها عليه ان يقاتل هذه
الجيوش قبل ان تصل الحرب الى الاراضي الايرانية..
الدول
العربية وجدت ان نمو وتضخم المشروع الايراني الديني له ارضية متوفرة من خلال العمل
على تعميق الانقسام الديني واثارة الغرائز الدينية والعواطف الدينية واستحضار
التاريخ في كافة مفاصل الحياة العادية منها والدينية... والمشهد السوري والعراقي
واليمني .. كان خير شاهد على الممارسات الايرانية التي تقوم على التلاعب تنميه
الدوافع الدينية والعبث بالديموغرافيا وتغيير الهوية وتهجير المواطنين وتبديل
الانتماء وصولاً الى تغيير الدين والمذهب..؟؟؟
في
حين ان اسرائيل في المقابل وهي عدو ومحتل ومغتصب ولكن تحظى برعاية دولية رغم انها
لا تملك قدرات بشرية تساعدها على تحقيق او انجاز اي تغيير ديموغرافي.. في اية دولة
عربية.. باستثناء الاراضي الفلسطينية المحتلة.. وهي لب الصراع وجوهره... والقضية
المركزية للامة العربية ووالاسلامية... فكانت المفاضلة في تحديد اولوية الصراع على
انه اولاً مع ايران التي تستطيع اثارة صراعات ونزاعات داخلية.. واختيار التفاهم مع
اسرائيل التي تحظى بحماية دولية تحت عنوان تطبيع العلاقات لانها لا تملك القدرة
على القيام بأي تغييرات بالغة الاهمية في دول المنطقة..
نماذج
من الزرع الايراني والحصاد الاسرائيلي:
تعطيل
العمل الحكومي في لبنان بذريعة الضغط لتغيير المحقق العدلي، كشف ان لبنان حكومةً
وشعباً تحت سيطرة وهيمنة حزب الله الذي يتم تضنيفه تباعاً منظمة ارهابية...
وبالتالي اسرائيل تعتبر ان لبنان دولة تهيمن عليها ايران، ونصرالله باستمرار يؤكد
ان اي حرب مع ايران سيكون حزب الله شريكاً فيها بفتح المواجهة عبر الحدود
اللبنانية... (صواريخ بلدة شويا)..
ممارسات
حزب الله داخل لبنان وخارجه دفعت عدد من الدول الى تصنيف حزب الله على انه منظمة
ارهابية.. واخرها دولة استراليا... وبالتالي هذا يسيء ويؤذي مصالح اللبنانيين في
هذه الدول وعلاقات لبنان مع دول عديدة.. كما يعطي اسرائيل حرية الحركة لضرب لبنان
وتهديد امنه بذريعة مواجهة منظمة ارهابية اسمها حزب الله باعتراف معظم الدول
المؤثرة في العالم....
ممارسات
ونشاطات ميليشيا حزب الله في لبنان ادت الى تدمير الصيغة اللبنانية.. بكافة
اشكالها من اقتصادية ومالية الى سياحية وتربوية وطبية ومصرفية.. مما جعل من
اسرائيل البديل الموضوعي في المنطقة.
تصدير
المخدرات بكافة اشكالها من لبنان الى دول الخليج العربي.. ودول افريقيا واوروبا
ايضاً.. دفع دول الخليج العربي الى وقف الاستيراد من لبنان.. مما جعل من المنتوجات
الاسرائيلية وخاصةً الزراعية تدخل الى دول الخليج بشكل لا يمكن تجاهله.. مما يعني
ان المزارع اللبناني والاقتصاد اللبناني هو الخاسر الاكبر..
استخدمت
ايران على نطاق واسع الطائرات المسيرة لمهاجمة الشعب اليمني والمملكة العربية
السعودية من خلال ذراعها (ميليشيا الحوثي الانقلابية) في اليمن.. فكان ان اندفعت
إسرائيل تعرض التنسيق مع العرب ضد «مسيّرات» طهران.. وزير دفاع إسرائيلي، غانتس
شدد على أن «الدرون» إحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها إيران لضرب أهداف
استراتيجية على بعد آلاف الكيلومترات، وبالتالي فإن هذه القدرة تعرض بالفعل للخطر
الدول العربية والقوات الدولية في الشرق الأوسط وكذلك دول في أوروبا وإفريقيا.
تقول
ايران انها من استدعى روسيا لمشاركتها تدمير سوريا وتهجير اهلها، والقضاء على
انتفاضة مواطنيها.. فكانت النتيجة، ان اعلنت موسكو وعلى لسان وزير خارجيتها
لافروف.. ان اولوية السياسة الخارجية الروسية في سوريا هي ضمان امن اسرائيل ..
وعدم انخراط سوريا في اية صراعات عبر الحدود.. وطلبت من ايران مغادرة بعض المواقع
الاستراتيجية، كما لم تسمح لها بالرد من سوريا على الهجمات الاسرائيلية.. فهل هذا
هو الهدف الايراني من الحرب على الشعب السوري..؟؟؟
استهداف
ايران للدول العربية وخاصةً الخليجية منها دفعها للتطبيع مع اسرائيل باعتبارها لا
تشكل خطراً وجودياً... ولا تعمل على ترسيخ انقسام عامودي بين مكونات مواطنيها
والوطن العربي... لذا نرى التعاون الاردني – الاماراتي – الاسرائيلي.. والتعاون
البحريني – الاسرائيلي.. واخرها التنسيق المتقدم بين مصر واسرائيل...
تتحدث
ايران عن امتلاكها قدرات عسكرية هائلة وتهدد بضرب اسرائيل وتدميرها خلال دقائق..
مما جعل العالم كله يتعاطف مع اسرائيل ويعتبرها مهددة في امنها من قبل نظام
ايران... في حين ان اسرائيل تقصف قوات الاحتلال الايراني في سوريا بشكل مستمر
ومتسارع دون رد من قبلها... وما تقوم به مبرر دولياً حيث لا يعترض احد بما فيهم
الروس..؟؟
تعاونت
ايران مع الولايات المتحدة الاميركية على احتلال العراق... والان بدات ايران تخسر
هيمنة حلفائها على الشان العراقي.. بينما اسرائيل تتحرك داخل كل العراق بحرية..
واتهام كردستان العراق بانها موطيء قدم لاسرائيل كلام غير صحيح...
الهجمات
الايرانية على بعض السفن التجارية واختطاف بعضها بذرائع وهمية ومصطنعة.. دفع
باساطيل دول عدة للابحار الى منطقة الخليج العربي، وبحر عمان وخليج عدن ومدخل
البحر الاحمر لحماية المعابر البحرية والنقل البحري وخاصةً مضيق هرمز الشريان
البحري الحساس الذي طالما هددت ايران باغلاقه... حتى ان بعض قطع البحرية
الاسرائيلية اصبحت تتحرك في منطقة بحر العرب والبحر الاحمر.. وصولاً الى مضيق
هرمز... وهذه سابقة...
المناورات
الايرانية المستمرة والتي تهدف لتهديد دول الجوار.. دفعت هذه الدول لتطوير
ترسانتها المسلحة والتعاون مع كافة الدول التي تشاطرها القلق من السياسات
الايرانية في المنطقة ومنها اسرائيل، لذا نرى الاعلان عن مناورات عسكرية متكررة
وبشكل غير مسبوق في كفة دول المنطقة وبشكلٍ مشترك بين دول كان بعضها اعداء في
الماضي...
الخلاصة:
ما عرضناه هنا هو للدلالة على عدم تناغم نتائج السياسات الايرانية في المنطقة مع
الاهداف الموضوعة او التي يتم الاعلان عنها... وعندما نعرض هذه الوقائع لا يعني
اننا نتبناها او نشجع عليها.. ولكن نقدم قراءة موضوعية لممارسات سياسية وامنية ادت
الى نتائج عكسية..
ومع
ذلك فإن ممارسات الادوات الايرانية في المنطقة كما تصريحات القيادة الايرانية لا
زالت تخدم السياسة والاهداف الاسرائيلية في المنطقة... ولو نظرنا ملياً الى الواقع
الذي تعيشها المنطقة الان لوجدنا ان مشاعر العداء لايران وادواتها تتزايد، نتيجة
الحروب التي شنتها ايران من خلال وكلائها على دول المنطقة.. ما يجري في اليمن
والعراق وسوريا واعتقال مجموعات تمولها ايران او تتناغم مع مشروع ايران في البحرين
او الكويت وغيرها.. وما يعيشه لبنان من تداعيات نتيجة الهيمنة والوصاية الايرانية
من خلال حزب الله اداة ايران في لبنان.. حتى ان ردة فعل الشارع العربي على التطبيع
مع اسرائيل اصبحت ضعيفة لقلقه من مشروع ايران الذي اصبحت مواجهته اولوية... لذلك
يمكن القول ان سياسات ايران الخاطئة في المنطقة هي الزرع الايراني الذي تحصد
نتائجه اسرائيل وليس ايران...؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق