الدولار لم يبلغ مداه بعد مقابل الليرة اللبنانية

)عزة الحاج حسن ـ المدن)

يبدو جلياً دخول العملة الوطنية مرحلة جديدة من الانهيار. وبات مسار الدولار وآلية تحركه واضحاً للتاجر والمستهلك والمدّخر والفقير. فالجميع أصبح على يقين بأن الدولار سلك مساراً صعودياً منذ نهاية العام 2019 حتى اللحظة، وقد لا يتراجع بسهولة.

ربما استكان سعر صرف الدولار في مرحلة ما، وعند أكثر من استحقاق، وآخرها تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، حين تراجع الى ما دون 15000 ليرة. لكنه عاد ليستأنف مساره التصاعدي الذي بدأه منذ عامين، من 1507 ليرات إلى 25 ألف ليرة (حتى تاريخ النشر) وهو مستوى قياسي تاريخي. فهل بلغ سعر صرف الدولار مداه بالارتفاع في وجه الليرة اللبنانية أم أن الأخيرة لا يزال ينتظرها مستقبلاً أكثر سوداوية؟

لا ضوابط

لا ضوابط حقيقية اليوم لتراجع قيمة الليرة أمام الدولار. فقد خسرت حتى اليوم قرابة 94 في المئة من قيمتها، وربما ستزيد هذه النسبة في المرحلة المقبلة، وإن كان مصرف لبنان يعتبر أن منصة صيرفة تلعب حالياً دور الكابح الفعلي لارتفاع سعر صرف الدولار، غير أن الواقع يدحض هذا الادعاء، من دون أن يلغي لعب المنصة دور في التخفيف من زخم الارتفاع عبر تأمينها الدولارات لبعض المستوردات. أما الواقع السياسي المعقّد والاقتصادي المزري، إنما يشي بإمكان إقصاء الدولار لليرة اللبناينة كلياً، فيما لو استمرت وتيرة التدهور على حالها.

أما سعر صرف الدولار الحقيقي، فلا يعبّر عنه لا سعر منصة صيرفة ولا حتى التطبيقات التي تدخل على خط المضاربات. ووفق الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية، ليال منصور، فالدولار في لبنان لا يُقاس بعملية العرض والطلب فقط. وهي القاعدة التي تتحكم بشكل تام وشفاف بسعر العملة في دول مستقرة. أما في دولة كلبنان، فلا يمكن لعملية العرض والطلب وحدها أن تقيس حجم انهيار العملة أو قدرتها الشرائية.

وتقول منصور في حديثها إلى "المدن": "في الحالة اللبنانية هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يجب أخذها بالاعتبار لقياس حجم تراجع العملة. أولها وأهمها، الودائع المحتجزة والتي يتم صرفها بالليرة اللبنانية. فهذه الودائع يجب أن يتم احتسابها، ولا يمكن استثنائها عند تقييم حال الليرة". وبذلك، يصبح سعر صرف الدولار الحالي غير حقيقي، لا بل هو أعلى بعشرات الأضعاف من سعر المنصة والصرافين وحتى سعر السوق السوداء.

وإذ تجزم منصور أن "من غير المقبول تحديد سعر الدولار وفق عمليات العرض والطلب التي فعلياً لا قيمة لها، إذا ما استثنينا مسألة الودائع المجمدة"، تطرح فرضية الإفراج عن الودائع دفعة واحدة. فحينها لن يردع أحد صعود سعر صرف الدولار إلى مستويات خيالية، قد تكون بالملايين دفعة واحدة. أما الإفراج عن الودائع تدريجياً، كما هو حاصل اليوم، فإن من شأنه أن يرفع الدولار تدريجياً. وتسأل منصور "ماذا بشأن شح الدولار لدى مصرف لبنان؟ فهذا العامل أيضاً لا يمكن التغاضي عنه، وله دور سلبي جداً في توجه سعر الدولار إلى الارتفاع".

الانفجار الضخم

امتدت المرحلة الأولى من انهيار العملة الوطنية مذ كسر سعر صرف الدولار حاجز الـ1500 ليرة وتجاوز مستوى الـ20000 ليرة و23 ألف و24 ألف ليرة. أما اليوم فقد دخلنا بالمرحلة الثانية من انهيار العملة. وتتمثل -برأي منصور- بالاعتراف بالأزمة ومعالجتها بشكل خاطئ. وهذ أمر يفاقم الأزمة. فالاعتراف بها من قبل السلطة دفعها إلى المباشرة بالمعالجة عن طريق زيادة المداخيل، وتقديم المساعدات، وإن تحت تسميات أخرى مختلفة. لكن بالنهاية سيولّد هذا مزيداً من النقد ومزيداً من طباعة الأموال. وهذا ما سيدفع بالعملة إلى مزيد من الانهيار. وخير دليل على اقتراب انفجار التضخم هو تعنت المصارف ومصرف لبنان بمنع المودعين والعملاء من سحب السيولة حتى لسداد أدنى حاجاتهم.

لا يمكن الهروب من مسألة دولرة البلد ودولرة الاقتصاد اللبناني بنسبة تفوق 80 في المئة. ما يعني أن الطلب على الليرة اللبنانية شبه معدوم. وهي تخضع فقط للعرض وليس الطلب. من هنا، فهي تتجه الى مزيد من الانهيار.

قلق وإدخار

ولأن القلق من غياب أي أفق لحل الأزمة السياسية يعزز انعدام الثقة بإمكان معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، بات الهاجس الأول لدى اللبنانيين هو إدخار الدولارات كملاذ أكثر أماناً من أي إدخارات أخرى، ما زاد الطلب على الدولار، وعزز من ضعف الليرة التي شارفت على بلوغ 25000 ليرة، مسجلة أدنى مستوى لها على الإطلاق في تاريخ لبنان.

وإذا كان بإمكان مصرف لبنان تقدير حجم الطلب على الدولار عبر منصة صيرفة، فإنه يستحيل تحديد حجم الطلب عبر الصرّافين وتجار السوق السوداء. وهو ما يرجح خبراء أنه يستحوذ على الجزء الأكبر من الطلب على الدولار.

 

تعليقات