وسام
أبوحرفوش وليندا عازار ـ الراي
عبّرت
أوساط واسعة الاطلاع في بيروت عن خشية كبيرة من أن تكون الأزمة اللبنانية تتجه إلى
فصولها الأكثر سخونة في الأيام المقبلة في ضوء تَقاطُعٍ مخيف بين الأفق المسدود
الداخلي لصراع أطراف الائتلاف الحاكم (تحالف الرئيس ميشال عون وثنائي الرئيس نبيه
بري - «حزب الله») الذي دخلت معه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «غيبوبة» طويلة، وبين
انفتاح التأزم غير المسبوق في علاقات «بلاد الأرز» مع دول الخليج العربي على مزيد
من الاختبارات القاسية والمُرْبكة للبنان الرسمي وفق ما عبّرت عنه «مضبطة اتهام»
تحالف دعم الشرعية في اليمن لـ «حزب الله» بالتورط في اليمن واستخدام مطار صنعاء
لاستهداف المملكة العربية السعودية عبر دعم الحوثيين بالتدريب على استخدام
المسيرات والصواريخ البالستية.
وعشية
رسالة متلفزة سيوجّهها الرئيس عون للبنانيين اليوم ويسود ترقُّب كبير لمضمونها في
ظل إشاراتٍ إلى أنها ستكون مشحونة بكل المناخات السلبية في العلاقة بين فريقه
(التيار الوطني الحر) وبين بري على خلفية تعطيل الثنائي الشيعي جلسات الحكومة،
وأنها يرجَّح أن تنطوي على تظهير الاستياء البالغ من خيار «بري أولاً» الذي يصرّ
عليه «حزب الله» عند كل ملفٍّ يفترق فيه التيار عن رئيس البرلمان، فإن الأنظار
شخصت على التشظيات المرتقبة لما تضمنتْه الإحاطة الشاملة للأزمة اليمنية التي
قدّمها تحالف دعم الشرعية وتحديداً في ما خص «حزب الله» وتوثيق دعمه للحوثيين
وشراكته في استهداف السعودية.
وعَكَسَ
«التوصيف الجُرمي» لدور «حزب الله» «كتنظيم إرهابي ينشر الدمار في المنطقة
والعالم» و«كسرطان أثّر على اللبنانيين بالدرجة الأولى»، وصولاً لتحميله مسؤولية
استهداف المدنيين في السعودية واليمن، أن ملف الحزب سيكون «الرقم واحد» على أجندة
الرياض باعتباره من مقتضيات حفظ أمنها القومي واستقرارها وأحد مكوّنات التفاهم
الذي عبّرت عنه قمة الرياض الخليجية الأخيرة التي طالبت لبنان بمنع «عمليات الحزب
الارهابية» مع تأكيد أن «أيّ هجوم على دولة منّا هو اعتداء علينا جميعاً». وما جعل
توجيه «التحالف» أصابع الاتهام لـ «حزب الله» يكتسب أبعاداً بالغة الأهمية أنه جاء
معطوفاً على مجمل الدور الإيراني «التدميري» في المنطقة، سواء بالحرب أو الدمار
المالي والاقتصادي والسياسي، وهو ما يؤشر إلى أن كل محاولات إحياء الخط الفاصل بين
لبنان – الدولة وبين «حزب الله» في سياق التخفيف من تحميلها أثمان انخراط الحزب في
صراعاتِ المنطقة فشلتْ، لتطلّ بيروت على 2022 بانكشافٍ كاملٍ على واقعٍ لاهب في
الإقليم وكأنها «تُقتاد مخفورةً» إليه بقوةِ خياراتٍ «عابرةٍ للدولة» ولم تَعُدْ
دولُ الخليج مستعدّةً للتغاضي عنها، وفق ما عبّر عنه إعلان «طفح الكيْل» قبل
أسابيع والذي مُنح بعدَه لبنان الرسمي «فترة سماح» جديدة مشروطة ببدء تنفيذ
مقتضياتِ احتواء أدوار «حزب الله»، قبل أن يَفتح استهداف جازان الباب أمام ما بدا
أنه «آخِر الكلام».
وبانتظار
المفاعيل السياسية - الديبلوماسية لِما كشفه تحالف دعم الشرعية أمس، فإن لبنان
يَمْضي في «اللهو» بقشور الأزمة بوجهها الداخلي، وسط اقتناعٍ بأن التوتر في علاقة
رئيس الجمهورية وفريقه مع «حزب الله» لا ينطلق من وضعيّة الخارج خارج الشرعية وما
تكبّده لـ «بلاد الأرز» في علاقاتها مع الخارج، بمقدار ما أنه ينطلق من ضيق صدْرٍ
من إصرار الحزب على شراكته مع بري من زاوية الوحدة الشيعية – الشيعية ولو على حساب
كسْر «التيار الحر» وتعطيل آخر حكومات العهد، وسط رسائل عدة سبق أن وجّهها قياديون
في التيار لجهة أن موضوع إقصاء أو تجزئة مهمة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت
القاضي طارق بيطار لا تستحقّ أخْذ مجلس الوزراء وجلساته رهينة، ما دامت قنوات
حلّها ممكنة عبر القضاء أو البرلمان.
وبرزت
قراءتان أمس لما يُرجّح أن تنطوي عليه إطلالة عون التي تأتي بعد أيام قليلة من
تسديد المجلس الدستوري صفعةً لرئيس «التيار الحر» جبران باسيل (صهر عون) عبر عدم
قبول الطعن الذي قدّمه بتعديلات قانون الانتخاب (وخصوصاً لمصلحة مطالبته بإلغاء
اقتراع المغتربين لـ 128 نائباً وبحصره بستة مقاعد يتم استحداثها) وارتكازه على
«خرْق للميثاق والدستور» في اعتماد نصاب الغالبية المطلقة في البرلمان (للتأكيد
على القانون الذي كان ردّه عون) استناداً على عدد «الأحياء وليس النواب الذين
يتألف منهم البرلمان قانوناً»، وهو التطور الذي حصل على وهج سقوط صفقة – شبح حيكت
في ليل ومحتها خلافات النهار، وحمّل باسيل علناً مسؤوليته لـ «الثنائي الشيعي».
القراءة
الأولى تحدثت عن «قنبلة من العيار الثقيل» سيفجّرها عون، يصوّب فيها على الخصوم
كما الحلفاء بعرقلة عهده، وأنه لن يوفر تفاهم مار مخايل مع «حزب الله»، رافضاً
تحميله منفرداً وزر تغطية مسألة سلاح الحزب الذي وفّرت له كل الأكثريات منذ ما بعد
انتهاء الحرب اللبنانية الغطاء، وصولاً لرفع السقف بإزاء التعطيل غير المسموح بأن
يتمادى لمجلس الوزراء.
والقراءة
الثانية حاذرت الإفراط في توقُّع أن يبادر عون إلى «كسْر الجَرة» مع «حزب الله»،
وإن كان يمكن أن يقارب العلاقة معه من زاويةٍ خلاصتُها أن رفْضه استفراد أي مكوّن
لبناني أو «استهدافه من الخارج» لا يعني السماح بتفرُّد داخلي على حساب المساحة
التي يحتاج إليها العهد و«التيار الحر» لتحقيق «مشروع السلطة» بالتناسُب مع المدى
الذي أعطاه تفاهم مار مخايل للحزب لتحقيق «مشروعه الاستراتيجي» منذ 2006 وما تخلل
هذه المرحلة من عملية قضم ممنهج للتوازنات ودستور الطائف.
تعليقات
إرسال تعليق