بقلم
مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات.. حسان القطب..
بناءً
على استهداف القوات الدولية في جنوب لبنان الذي جرى في بلدة شقرا الجنوبية كان لا
بد من فتح ملف وجود ودور هذه القوات الذي يخفى على الكثير من اللبنانيين...
تتواجد
القوات الدولية المعروفة اختصاراً باسم (يونيفيل).. في جنوب لبنان كقوة فصل دولية
بين لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة.. منذ العام 1978.. تحت سقف القرار الدولي
رقم 425.. ومن ثم القرار الدولي 1701.. الذي اتخذ عام 2006.. على اثر الحرب
الاسرائيلية على لبنان في تموز/يوليو، من ذلك العام..
بعيدأ
عن مناقشة بنود القرار 1701.. وما يتضمنه من مهمات وصلاحيات.. منوطة بالقوات
الدولية.. فإن مجرد وجود هذه القوات الدولية في جنوب لبنان، معناه انها تحمي
الجانب اللبناني من اراضي ومواطنين وبنية تحتية من اي عدوان اسرائيلي محتمل..
وبالتالي فإن هذه القوات تشكل ضمانة استقرار بالنسبة للمواطن الجنوبي وعامل تهدئة
وتشجيع على الاستثمار وتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعودة الحياة السياسية
الى القرى والبلدات الجنوبية التي تتواجد فيها هذه القوات.. في جنوب لبنان..
وبالفعل
من يذهب الى الجنوب اللبناني الممتد من جنوب الليطاني الى الحدود الدولية مع
فلسطين المحتلة.. يلمس هذا الواقع كما يلحظ الحركة العمرانية غير المسبوقة.. في
تلك المنطقة التي كانت تسمى المناطق الحدودية المحرومة والمغبونة.. بشكل يتجاوز
كافة المناطق اللبنانية الخاضعة لسلطة الدولة اللبنانية بشكلٍ مطلق وحصري..
ما
الذي فعلته القوات الدولية الى جانب تثبيت الامن والاستقرار ومنع العدوان في
المنطقة اللبنانية الجنوبية:
تامين
فرص عمل للمواطنين اللبنانيين الجنوبيين الى جانب القوات الدولية التي وجدت انها
بحاجة الى لبنانيين يعملون لديها تحت مسميات مختلفة ومهمات وواجبات متنوعة..
قدمت
الكثير من المساعدات للبلديات المحلية والجمعيات من مولدات كهربائية للمدارس
وغيرها وصولاً الى تحسين البنية التحتية.. من ارصفة ومجاري وغيرها..
تقديم
التدريب للشرطة البلدية في البلدات الجنوبية لحماية المجتمع المدني... وتحسين شروط
ادارة العمل البلدي..
ساهمت
في تقديم خبرات زراعية للمزارعين الجنوبيين باستقدام خبراء زراعة من بلادها وخاصةً
الكتيبة الايطالية.. وفي ميدان زراعة الزيتون بشكلٍ خاص.. وفحص التربة وتقديم ما
يلزم من نصائح حول نوعية الزراعات المناسبة.
تسريب
بقصد طبعاً.. الكثير من موادها الغذائية وتلك التي تستخدم في عملياتها من المواد
اللوجستية من ثياب واحذية وغيرها للمستهلك الجنوبي خاصةً باسعارٍ مخفضة ورمزية مما
سمح بفتح اسواق جديدة وفرص عمل مستحدثة في منطقة الجنوب.
عناصر
القوات الدولية تستاجر اراضي ومنازل وتتسوق في مدن وقرى الجنوب مما سمح بضخ كميات
بالغة الاهمية من النقد الاجنبي في اسواق الجنوبيين خاصةً..
دورات
تعليمية للطلاب بلغات متعددة.. اي بحسب لغة الكتيبة الدولية التي تخدم في المنطقة
العاملة فيها..
فتح
نوادي رياضية واختيار اطفال لديهم الموهبة المناسبة للمشاركة في بطولات كروية
وخاصة كرة القدم.. (الكتيبة الاسبانية، الكتيبة الايطالية).. تعلم مهارات الجودو
والكاراتية (الكتيبة الكورية)..
سفر
العديد من القوات الدولية الى تادية فريضة الحج او العمرة (الكتيبة الاندونيسية،
الماليزية).. من خلال حملات الحج والعمرة اللبنانية..
تقديم
مساعدات عينية لعائلات محتاجة من خلال جمعيات محلية واقامة علاقات مباشرة مع افراد
المجتمع المدني...
وجود
القوات الدولية واستقرار المنطقة الجنوبية، سمح بتشجيع مؤسسات دولية تعمل في ميدان
العمل الانساني والاجتماعي على التوجه جنوباً وتقديم خدماتها ومساعداتها لابناء
الجنوب..
هذا
بعض ما تقوم به او قامت به وما تزال القوات الدولية في جنوب لبنان والتي يعترض
ويعتدي عليها بعض (الاهالي).. المكلفون حزبياً وميليشيوياً.. ويتهمونها بالتجسس
والازعاج وغير ذلك من المفردات والمصطلحات ..
في
المقابل كيف يرى او يقرأ ويريد حزب الله وجود ودور هذه القوات الدولية والمتعددة
الجنسيات:
حزب
الله يريد بقاء هذه القوات وليس خروجها لذلك كافة الاشكالات التي تقع مضبوطة وتحت
سقف يمكن معالجته ولا تشكل تهديداً مبالغاً فيه.. ومشهد المواجهة مدني وليس
ميليشيوي..
خروج
القوات الدولية سوف يحرم الجنوبيين من خدماتها وتمويلها وفرص عمل كثيرة..
انسحاب
القوات الدولية سوف يترك الجنوب عرضةً لاعتداءات مفتوحة ومواجهات محتملة مع
اسرائيل مما سوف يدفع الجنوبيين للهجرة الى الداخل اللبناني مجدداً..
حزب
الله مطمئن جداً الى وجودها لانها تشكل القوة العازلة التي تفصل الجيش الاسرائيلي
عن القرى والبلدات الجنوبية الحدودية..
وجود
هذه القوات وبكثافة عددها وجدية دورها.. سمح لحزب الله بنقل ميليشياته للقتال في
دول متعددة (سوريا، العراق، اليمن) فهو مطمئن الى ان الحدود الدولية محمية بشكلٍ
جيد وتحظى بحراسة دولية والخروقات المحدودة تعالج بلقاء ثلاثي (لبنان، اسرائيل،
قيادة اليونيفيل) في مقر القيادة في بلدة الناقورة الحدودية..
كما
ان وجود القوات الدولية على الحدود، اعطى حزب الله المساحة المناسبة من الوقت
والجهد والعناصر اللازمة للتعامل مع الداخل اللبناني لفرض هيمنته وسيطرته عليه..
(آيار/مايو 2008) مطمئناً الى ان ظهره محمي بقوة دولية مناسبة..
الاستقرار
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في القرى والبلدات الجنوبية سمح لحزب الله بالتمدد
وتجاوز حضور ودور حركة امل باشواط متعددة..
كما
عمل حزب الله على تخزين اسلحة وحفر انفاق وتطوير حضوره العسكري والثقافي والديني
والسياسي.. وهذا يؤكده حزب الله في بياناته التي يعلن فيها اسقاط طائرات مسيرة
(درون) اسرائيلية... في جنوب لبنان مما يعني ان لديه مسلحين واسلحة في جنوب
الليطاني..
الدعم
الذي تقدمه القوات الدولية للمواطنين الجنوبيين من خلال الجمعيات والبلديات وحتى
المباشر منها.. يوفر على حزب الله وايران وهي الممول الاساسي والوحيد لحزب الله
كما يقول نصرالله الكثير من الاموال التي يجب تامينها لتطوير البنية التحتيد
وتامين الخدمات الاساسية للمواطنين الجنوبيين..
يرى
حزب الله ان وجود هذه القوات يشكل ضمانة امنية له تمنع اسرائيل من مهاجمته دون
سابق انذار لان اي اندفاعة اسرائيلية عبر الحدود سوف تجعلها في مواجهة مباشرة مع
القوات الدولية والمجتمع الدولي..
يعمل
حزب الله على تصوير بعض القوات الدولية على انها قوات تعمل لصالح دولها
وتحالفاتها.. وبالتالي يتم التعامل معها على انها قوات معادية وهذا ما تتم ترجمته
بين الحين والآخر باعتراضات الاهالي المصطنعة والمفبركة.. والتي تجري تحت عناية
ورعاية وتوجيه..
الخلاصة:
يتعامل
حزب الله مع هذه القوات على انها صندوق بريد.. فهي لا تعمل تحت الفصل السابع الذي
يسمح لها باستعمال القوة لحماية عناصرها ومعداتها.. لذلك فهي باستمرار عرضة لتعامل
خشن بين الحين والاخر.. لتوجيه رسائل للمجتمع الدولي.. واذا ما لاحظنا تواريخ الاعتراضات
نجدها تجري في مناسبات محددة.. قبل تجديد مهماتها.. او رداً على مطالب بتعديل
مهمات القوات الدولية.. او عند اعتراض اية دولة على ممارسات حزب الله.. وبالامس
كان الاعتراض رداً على تصريحان امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيريش، خلال
زيارة الى لبنان والتي طالب فيها بتسهيل مهمات القوات الدولية وعدم اعتراض دورها
ومهماتها..
وبالتالي
فإن حزب الله يريد من هذه القوات ان تبقى حاضرة في الجنوب اللبناني ولكن كممول
مالي غير مباشر ومساهم فاعل لترسيخ ودعم الاستقرار الاقتصادي في الجنوب اللبناني..
وضامن امني للهدوء في جنوب لبنان وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة.. انما دون قدرة
على ممارسة اي دور امني حقيقي على الاراضي اللبناني .. في حين من الواجب ان يتم
فرض الامن بالتعاون بين القوات الدولية وقيادة الجيش اللبناني بحسب القرار الدولي
1701..
ويريد
حزب الله ايضاً ان تبقى القوات الدولية .. صندوق بريد يتم من خلالها (معاكسنها
وازعاجها فقد دون تجاوز الحدود المقبولة) لتوجيه رسائل لها معاني كثيرة للدول
المشاركة في مهمات القوات الدولية (القوات الفرنسية والاسبانية والايطالية)... او
بالنسبة لدولة معينة ومحددة بذاتها.. وهذا ما حدث عندما انسحبت الكتيبة التركية من
جنوب لبنان بعد ان ساءت العلاقة بين طهران وتركيا مع تصاعد الحرب الاهلية في سوريا
وتدخل ايران وميليشياتها ضد الشعب السوري.. مما ادى لخسارة بلدات جنوبية خدمات
طبية ومساعدات اجتماعية وغيرها كانت تقدمها الكتيبة التركية ...
لذلك
سوف نرى المزيد من اعتراضات (الاهالي) الوهمية على دور وممارسات القوات الدولية...
فقط عندما يطلب منها وبتغطية وغطاء وتجاهل ممن يجب الا يتجاهل او يتغاضى او يتصرف
كالاعمى.. او بتواطؤ...او يعمل على انه شيخ صلح...!!
تعليقات
إرسال تعليق