(إيليا ج. مغناير ـ الراي)
في ثاني استهداف من نوعه، ضربت
الطائرات الإسرائيلية ساحة الحاويات في مرفأ اللاذقية السوري برشقات صاروخية عدة
من عمق البحر المتوسط. ورغم أن هذا النوع من الضربات، كان نادراً في سنوات الحرب
العشر الماضية، إلا أن اللافت في الأمر أن الضربة حصلت أثناء وجود طائرة روسية في
سماء المنطقة، مما أدى إلى عدم تشغيل نظام الدفاع الجوي الصاروخي السوري، خشية
إسقاط الطائرة الروسية. وهذا يعني، أن إسرائيل استغلت الوجود الروسي في سماء
المنطقة وضربت بعرض الحائط ما تعتبره موسكو منطقة نفوذ إستراتيجي، وتالياً، فقد
تضرّرت أكثر من حاويات اللاذقية.
في سبتمبر من عام 2018، هاجمت طائرات
إسرائيلية من طراز «أف - 16»، سورية أثناء وجود طائرة «اليوشين - 20» روسية في
سماء المنطقة المهاجمة. وقد أسقطت الدفاعات السورية الطائرة الروسية وعلى متنها 15
ضابطاً قتلوا على الفور. واتهمت حينها موسكو، القيادة الإسرائيلية بالاختباء خلف
«اليوشين - 20»، وحمّل الرئيس فلاديمير بوتين، إسرائيل المسؤولية. وهذا ما استدعى
تدابير جديدة قضت بأن تبلغ القيادة الإسرائيلية قاعدة حميميم الروسية القريبة من
اللاذقية قبل وقت كافٍ من كل غارة تستعد للقيام بها. وأحضرت روسيا صواريخ S-300 إلى سورية لتهز العصا لإسرائيل، من دون أن
تسلم القيادة السورية الصلاحية الكاملة لاستخدامها.
إلا أن هجوم فجر الثلاثاء، يبدو انه
حصل من دون علم القيادة الروسية أو ببلاغ لم يعط الوقت الكافي لموسكو، لسحب جميع
طائراتها من الأجواء السورية، وهذا ما دفع القيادة الروسية إلى إبلاغ السوريين
أنها لا تستطيع استخدام دفاعاتها الجوية خشية من إصابة الطائرة الروسية التي لم
يسنح لها الوقت الكافي للهبوط في مطار حميميم والابتعاد عن خط النار المتقابل بين
الطرفين.
وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل أولاً،
على أن روسيا هي التي تتحكم بقواعد الاشتباك من الناحية السورية وليس الإسرائيلية.
ثانياً، ان روسيا غضبت من إسرائيل،
بأن أعلنت هي أن الدفاعات السورية لم تعمل خلال الهجوم على مرفأ اللاذقية، شارحة
الأسباب وراء ذلك.
ثالثاً، أن روسيا أبلغت الأطراف
السورية والإيرانية والإسرائيلية، أنها لا تريد أن تكون جزءاً من معركتها ولن
تتدخل لصالح أحد، وتالياً أخذت مسافة من الجميع خصوصاً أنها تمتلك أفضل العلاقات
مع إسرائيل وهي تبني علاقات إستراتيجية اقتصادية مع إيران وتعتبر سورية منطقة
لنفوذها الإستراتيجي.
إلا أن ما لا تدركه روسيا أنها ترسل
رسائل إلى دول المنطقة الشرق أوسطية، أنها بعدم اتخاذها موقع واضحاً دفاعاً عن
مصلحتها الأمنية الإستراتيجية وبعدم دفاعها عن سورية، فإنها تفتقد مكانتها كشريك
محتمل مستقبلي عند الدول التي تعادي أميركا أو الدول التي تتطلع إلى شريك توازني
لكي لا تعطي أميركا السيطرة الكلية والأحادية خصوصاً بعد تراجع الاهتمام الأميركي
عن الشرق الأوسط.
ضربت إسرائيل اللاذقية فأصابت روسيا
في الصميم لأن كل موجودات الحاويات التي اشتعلت بها النيران من الممكن استبدالها.
إلا أن الموقف الروسي لا يمكن تطويره ولا إخفاء قلة قدرته أو عدم رغبته بدور أكبر
في الشرق الأوسط. وهذا لربما يساعد دول المنطقة على البحث عن حلول واتفاقات في ما
بينها، بعيداً عن الدول العظمى التي تضع مصالحها فوق مصلحة أيّ منطقة تعتبرها
إستراتيجية لها.
x
تعليقات
إرسال تعليق