حزب الله إلى الجرعة الزائدة في استعداء الخليج وإحراج لبنان

يقف لبنان الرسمي أمام امتحانٍ حقيقي لمدى قدرته على «استباقِ» لقاءٍ عدائي للسعودية، محدَّد في الزمان والمكان، ويُخشى أن يؤدي انعقادُه من فوق كل لاءاتِ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خصوصاً لأي إساءةٍ لبلدان الخليج العربي ولا سيما المملكة، إلى «التهشيم القاتِل» لِما تبقّى من «صورة» الدولة وينسفَ محاولاتِ معالجةِ التشظيات العميقة التي أصابتْ علاقةَ «بلاد الأرز» بدول «حزام الأمان» الذي يمزّقه الإمعانُ في تحويل الوطن الصغير منصةً للإساءة إليها أو استهداف أمنها القومي.

ولم يكن ممكناً التعاطي مع المؤتمر المعادي للسعودية ودول الخليج الأخرى الذي أُعلن أنه سيُعقد في الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم تحت عنوان «لقاء المعارضة في الجزيرة العربية» وذلك في الذكرى السنوية لإعدام الشيخ نمر باقر النمر، إلا من ضمن المسار «التفجيري» الذي اعتمده «حزب الله» في شنّ حملةٍ شعواء على المملكة وقيادتها، قادها أمينه العام السيد حسن نصر الله، وصولاً لتأكيد نائبه الشيخ نعيم قاسم "ردّنا على السعودية سيكون حاسماً، ولن نقبل بأن تسيئوا إلينا دون أن نردّ عليكم بالحقائق والمنطق".

وإذا كان تَمادي «حزب الله» في «تحدّي» لبنان الرسمي و«ثوابتِه الكلامية» من العلاقة مع الخليج العربي يشكّل امتداداً للمناخات الديبلوماسية المتفجّرة التي ما زالت تجرجر منذ خطيئة مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي بحق السعودية والإمارات وسوء إدارة بيروت لهذا الملف، فإنّ «الفعالية الخطابية والإعلامية» التي يشهدها معقل الحزب اليوم ستكون «الجرعةَ المكمّلةَ» للمنحى «الاستصغاري» للمواقف الرسمية، والأهمّ لتكريس تفوُّق الحزب ومن خلفه إيران في الواقع اللبناني و«إدارته» وفق مقتضيات مشروعها وصراعاتها و«الرسائل» التي يُراد توجيهها لهذا الطرف أو ذاك في هذا الملف الاقليمي أو ذاك.

وفي حين بدا أن السلطات الرسمية اللبنانية «أفلتت» قبل نحو شهر من المؤتمر المعادي للبحرين الذي أقيم في بيروت وقابلتْه المنامة باحتجاج شديد اللهجة برسْم حكومة ميقاتي، عبر مسارعة الأخير للإدانة وفتح تحقيق أعقبه قرار وزير الداخلية القاضي بسام مولوي بترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من لبنان، فإن مؤتمرَ اليوم يكتسب خطورة أكبر ويضع المسؤولين أمام اختبارٍ مغايِرٍ باعتبار أنهم «أخذوا عِلماً» به مسبقاً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل مجرّد ترْكه يُعقد خلافاً لمصالح لبنان العليا المحدَّدة بمواقف ولا سيما من ميقاتي، يحمّل «بلاد الأرز» تداعياتٍ متعددة الاتجاه:

* سواء لجهة تكريس العجز الفاضح للدولة أمام «قوة الأمر الواقع»، وخصوصاً بعدما كان رئيس الحكومة تقدَّم صفوف المندّدين بالمواقف الاستعدائية للمملكة التي أطلقها نصر الله في ذكرى اغتيال اللواء قاسم سليماني، فكرر الدعوة لاعتماد النأي بالنفس «وعدم الإساءة إلى علاقات لبنان مع الدول العربية ولا سيما السعودية، ومن هذا المنطلق كانت دعوتنا إلى أن يكون موضوع السياسة الخارجية على طاولة الحوار لتجنيب لبنان تداعيات ما لا طائل له عليه»، ومشدداً على أن ما أعلنه الأمين العام لـ «حزب الله» لا يمثّل الحكومة اللبنانية.

* أو لجهة تَلقّي ارتداداتٍ سعودية - خليجية قد تكون باهظة لسلوكياتٍ كانت السعودية توّجت الاعتراض عليها بلسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بدعوته "القادة اللبنانيين إلى تغليب مصالح الشعب اللبناني الشقيق وتحقيق ما يتطلع إليه من أمن واستقرار ورخاء ووقف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة«، وذلك بعدما كان تحالف دعم الشرعية في اليمن وجّه مضبطة اتهام للحزب بدعم الحوثيين في استهدافاتهم للمملكة، في موازاة اشتداد» العين الحمراء" في أعقاب التطاول غير المسبوق على القيادة السعودية.

واستوقف أوساطاً سياسية أن تنظيم لقاء اليوم في الضاحية الجنوبية ترافق مع دخول متجدّد لإيران على خط اتهام «أطراف خارجية بالتدخل في لبنان عبر ضغوط لتغيير المعادلات فيه»، وفق ما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الذي أكد ان «حزب الله» وسائر الأطراف الحزبية هم جزء من القوى الوطنية التي لها تمثيلها في الحكومة اللبنانية، وعلى الجميع احترامهم واحترام هذا الموضوع".

وفي انتظار مفاعيل ما يعتبره خصوم «حزب الله» إصراراً منه على إحكام حلقة عزْل «بلاد الأرز» وقفْل منافذ إصلاح ما انقطع مع دول الخليج، يأتي رفْع الصوت بوجه «الاحتلال الإيراني للبنان» بمثابة إعلانِ حال رفْضٍ مزدوج لما يعتبره القيّمون على هذه المنصة هيمنة طهران «السافرة أو المقنَّعة» وسطوة سلاح «حزب الله» على الدولة وخياراتها وقراراتها، وسط تعاطٍ مع هذا المنبر، الذي تعرَّض لحملات من كوادر وناشطين في الحزب، على أنه «الصوت الأعلى» وبلا أي «روتوش» الذي يُعْلي أولوية العنوان السيادي بوصفه «المدخل الأساس لمعالجة النتائج وتصحيح البوصلة الداخلية والخارجية».

ويَجري رصْد لِما إذا كان «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان»، الذي ينطلق رسمياً غداً ويضم نحو 200 شخصية ويشكّل النائب السابق فارس سعيْد أحد أبرز مؤسسيه وسيتولّى النائب السابق احمد فتفت رئاسته في مرحلة انتقالية، سيتحوّل «إطاراً جاذباً» وملتقى لرافضي التسليم بسقوط «بلاد الأرز» في المحور الإيراني بالكامل والساعين لإعادتها إلى تحت مظلة «الشرعيات اللبنانية (نظام الطائف والدستور) والعربية والدولية» وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الناظمة لمسألة السلاح والحدود.

(المصدر: الراي الكويتية)

تعليقات