محمد شقير ـ الشرق الاوسط
طُويت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون
للحوار مع أنه أبقى عليها مفتوحة، ويحمّله خصومه مسؤولية الإطاحة بالفرص لإنقاذ
البلد بعد أن تخلّى عن دوره الجامع للبنانيين وانحاز إلى فريق «الممانعة» بقيادة
«حزب الله» المتحالف مع إيران، وذهب بعيداً في شنّ «حروب الإلغاء» ضد خصومه
وتحديداً من الذين أوصلوه إلى الرئاسة وندموا على ذلك، لأن لا همّ له سوى التحضير
لوريثه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لتأمين استمرارية إرثه
السياسي.
ويتعامل مصدر بارز في المعارضة مع
البيان التبريري الذي صدر عن رئاسة الجمهورية الذي غلب عليه التذرُّع بأكثر من سبب
لصرف النظر عن تأمين النِّصاب السياسي المطلوب للحوار على أنه محاولة للهروب إلى
الأمام بتحميل خصومه التبعات المترتّبة على مقاطعتهم للحوار، ويقول لـ«الشرق الأوسط»
إن عون يستمر في مكابرته ظناً منه أنه يستطيع إيهام الرأي العام بإصراره على إنقاذ
البلد أو بتمرير رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه قرر الدخول في خلاف مع حليفه
الأوحد «حزب الله».
وينقل المصدر البارز في المعارضة عن
دبلوماسي أوروبي أن ما يشاع عن وجود خلاف بين «حزب الله» وعون ومن خلاله باسيل هو
مناورة انتخابية من فريقه السياسي لعله يستعيد حضوره في الشارع المسيحي الذي أخذ
يتراجع، كما ظهر من اعتذار أكثر من نصف القوى المسيحية المناهضة له عن تلبية دعوته
للحوار.
ويلفت إلى أن لبنان يدخل الآن في
مرحلة انتقالية، وأن الظروف غير ناضجة أمام عون ليُبقي على دعوته للحوار مفتوحة،
ويقول إن الظروف لن تنضج إلا بانتخاب مجلس نيابي جديد ينتخب بدوره رئيس جمهورية
جديداً، في حال أن الاستحقاق النيابي أُنجز في موعده لقطع الطريق على التمديد
للبرلمان الذي سيُواجه برد فعل دولي على خلفية أن بعض الطبقة السياسية لا تتجاوب
مع إرادة اللبنانيين بإعادة تكوين السلطة.
ويتطابق موقف المصدر المعارض مع وجهة
نظر مصدر نيابي بارز في تسليط الأضواء على الدوافع التي أمْلت على عون الدعوة
للحوار قبل أقل من سنة على انتهاء ولايته الرئاسية، ويريان أن عون انقلب على خطاب
القَسَم ولم يعد في مقدوره ركوب موجة الإنقاذ بعد أن أمضى أكثر من 5 سنوات من عمر
«العهد القوي» وهو يخوض حروب الإلغاء السياسية على الجبهات كافة ولم يبقَ له حليف
سوى «حزب الله».
ويؤكد المصدر النيابي البارز
لـ«الشرق الأوسط» أن عون تسرّع في دعوته للحوار من دون التحضير لها وبعدم التحضير
لورقة العمل التي سيُدرجها لمناقشتها بدلاً من لجوئه إلى المزايدات الشعبوية
باختياره عناوين لا تسمح الظروف السياسية بطرحها الآن، في إشارة إلى بند
اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، أو أخرى هي من اختصاص الحكومة التي تتولى
التفاوض للانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي.
ويغمز من قناة «غرفة الأوضاع» التي
يديرها باسيل من خلال فريقه السياسي الموجود في القصر الجمهوري، متهماً إياه بأنه
كان وراء إقحام عون في مغامرة سياسية غير محسوبة النتائج بدعوته للحوار، لأن من
أولويات هذا الفريق تأمين جلوس باسيل على طاولة الحوار في محاولة لتلميع صورته.
وينظر المصدر النيابي بريبة إلى
الحرب الشعبوية التي ينظّمها عون مع باسيل ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويضعها
في خانة تصفية حساباتهما الشخصية معه، ويقول إنه ليس في موقع الدفاع عن سلامة، لكن
كيف يمكن التفاوض مع صندوق النقد الدولي في ظل احتدام الصراع بين عون وفريقه
السياسي وبين سلامة؟....
وينقل المصدر المعارض عن عدد من
السفراء الأجانب استغرابهم للحملة التي يقودها عون بطلب من باسيل ضد سلامة
والإصرار على إقالته من منصبه، خصوصاً أنه يشارك في الوفد الذي يتولى التفاوض مع
صندوق النقد الدولي، رغم أن المفاوضات عالقة الآن بسبب تعطيل جلسات مجلس الوزراء
من جهة وعدم إقرار الإصلاحات الإدارية والمالية.
ويؤكد المصدر نفسه أن عدداً من
السفراء الأوروبيين ينظرون بحذر إلى إصرار عون على افتعال معارك جانبية ويتخوّفون
من تفخيخ الأجواء التي لا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ويقول إنهم
يُبدون انزعاجاً من تعطيل جلسات مجلس الوزراء ومن استهداف النظام المصرفي، رغم أنه
في حاجة إلى إصلاح من الداخل.
ويكشف أن عدداً من هؤلاء السفراء
يرمون المسؤولية على الفريق المحسوب على عون ليس بتحريضه على سلامة فحسب، وإنما
لأخذ البلد إلى معارك جانبية بدلاً من أن يُسهم في تهدئة الأجواء، وهذا ما أدى إلى
إقحام «العهد القوي» في قطيعة سياسية تكاد تكون شاملة.
ويسأل: هل يأخذ عون العبرة من إخفاقه
في جمع الأطراف على طاولة الحوار، أم أنه يظن أن البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية
سيفعل فعله في محاصرة معارضيه بغياب من يدافع عنه باستثناء «حزب الله»؟
لذلك فإن إخراج مجلس الوزراء من
التعطيل يتصدّر اهتمام السفراء الأجانب في لبنان، وإن كان رئيس الحكومة نجيب
ميقاتي لا يزال يصر على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد لمناقشة مشروع قانون الموازنة
فور انتهاء وزير المالية يوسف الخليل من إعدادها وهو في حاجة إلى نحو أسبوعين
لإنجازها لأن تأخيرها يعود إلى أمرين: الأول إضراب بعض العاملين في الوزارة ممن
يشاركون في إعدادها، والآخر إصابة اثنين بوباء فيروس «كورونا» وهما يتماثلان الآن
للشفاء.
وأن يتقرر الإفراج عن مجلس الوزراء
لإنجاز الموازنة في موعدها الدستوري من ناحية، ولتأكيد جدّية الحكومة بأنها ستراعي
شروط صندوق النقد لمساعدة لبنان، فإن ميقاتي يقوم الآن، كما يقول المصدر السياسي،
بتعطيل «العبوات السياسية» التي يزرعها في طريقه الفريق السياسي المحسوب على عون
وكان آخرها منعه اجتياح المصارف بحثاً عن البيانات المالية وبتدخّل مباشر منه.
وهكذا فإن ميقاتي وإن كان لن يرضخ
لحملات الابتزاز، فإنه يخوض معركته على جبهتين: الأولى للإفراج عن تعطيل مجلس
الوزراء، والأخرى لكبح جنوح باسيل نحو توتير الأجواء وإصراره على تفخيخ جهود
ميقاتي الرامية لإنقاذ البلد، فيما يقف وحيداً في مواجهته مع انحياز عون لوجهة نظر
صهره.
تعليقات
إرسال تعليق