وسام أبوحرفوش وليندا عازار ـ الراي
لم تخرج بيروت أمس من دائرة «التقصي»
عن خفايا وآفاق «المنطقة الرمادية» التي انتقلت إليها الأزمة الحكومية مع الإفراج
«المشروط» للثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» عن جلسات مجلس الوزراء والتي
جاءت على وقع ما يبدو «خطوطَ تماسٍ» بين السوق السوداء للدولار و«سوق صيرفة»
(المنصة التي يديرها مصرف لبنان) يتم ترسيمها في محاولةٍ لإرساء «منطقة آمنة»
مرحلية ولو في قلْب «الإعصار» المالي - النقدي تؤخّر الانفجار الكبير الذي كان
أطلّ برأسه الأسبوع الماضي مع اقتراب العملة الخضراء من الخروج الكامل عن السيطرة.
وفي حين يجْري رصْدٌ يومي لـ «مدة
صلاحية» ما بدا أنه «الخرطوشة الأخيرة» التي يستخدمها «المركزي» بغطاء من رئيس
الحكومة نجيب ميقاتي ووزارة المال لمنْح فرصةٍ للسلطة للملمة شظايا «المطاحنات»
بين أطرافها ومعاودة الانتظام خلف أولويات الإنقاذ المالي التي باتت تتشابك وتتضارب
مع أجندات انتخابية (نيابية ورئاسية) إلى جانب تَرابُطها في بُعْدها السياسي
الخارجي مع إقحام لبنان المستمرّ في صراعات المنطقة، فإنّ وقف إطلاق «النيران
الصديقة» على الحكومة بقي محور أسئلة عن ملابساته كونها تتيح استشراف مدى قابلية
«الأوكسيجين» الذي مُنحت إياه الحكومةُ بـ «جرعات محدَّدة» وغير مفتوحة لجعْلها
تنجز دفتر المهمات الشائكة التي وُلدت من أجلها قبل أن تعترضها «أشواك» المكاسرات
الرئاسية.
وإذ صمدتْ أمس عمليةُ إبقاء الدولار
عند حدود 25 ألف ليرة في السوق الموازية (كانت بلغت نحو 34 ألفاً الأربعاء الماضي)
بفعل توسيع حلقة المصارف التي تلقّفت تعميم «المركزي» الذي أتاح لها شراء دولارات
نقدية منه بلا سقوف مقابل ليرات نقدية وبيعها على الشبابيك لعملائها وفق سعر
«صيرفة»، فإنّ خفايا الانفراجة الحكومية بدأت تتكشف أكثر فأكثر عن كونها جاءت من
«حواضر البيت» المحلي وأن حياكتها لا علاقة لها بـ «حبْكات» إقليمية، وهو ما يضعها
تالياً أمام اختباراتٍ ستكون متلاحقة، ولا سيما في ضوء ارتسام أنها جاءت أقرب إلى
عملية «تَسَلُّل» من الثنائي الشيعي خلف خطوط «الاشتباك» بين رئيسيْ الجمهورية
ميشال عون والبرلمان نبيه بري و«اقتناصٍ» لتوقيتٍ مُناسب لانكفاءٍ مدروس ولو
اضطراري و«بلا أثمان» عن المضي في «القنص» السياسي تحت عنوان إقصاء المحقق العدلي
بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار.
وفيما أتى العدوان الإرهابي الحوثي
على أبوظبي أمس، ليؤكد المؤكد لجهة أن المنطقة تقف على صفائح متحركة وأن طهران
تمعن في لعبة الإشارات المتعاكسة في لحظة إقليمية مفصلية هي أكبر بكثير من أن
«يؤثّر» فيها، ولو من باب «الرسائل»، نصف إفراج عن جلسات الحكومة في لبنان التي
كانت تعطّلت أساساً بعنوان محلي، فقد بات واضحاً أن عودة «حزب الله» وبري إلى
طاولة الحكومة لم يأتِ بفعل «نفاد الذخيرة» السياسية في معركة «عض الأصابع»،
بمقدار ما أنه حصل نتيجة تقديرٍ بأن أثمان مجاهرة الثنائي بأنه يحتجز الحكومة مع
ما لذلك من تداعيات على الواقع النقدي يجري تحميله إياها، باتت كبيرة لدرجة تفترض
خطوةً تخلط الأوراق و«تُوزِّع» المسؤولية عن أي ارتطام مريع على مختلف مكوّنات
مجلس الوزراء الذي لن تكون جلساته مفروشة بالورود.
ومن خلف تسريباتٍ «تبارت» فيها أوساط
قريبة من فريق عون وميقاتي على اعتبار فكّ الأسْر الموْضعي للحكومة نتيجة «ضغوط
رئيس الجمهورية التي لم توفّر حزب الله» أو بفعل «صمود رئيس الحكومة على ثوابته»،
فإنّ أوساطاً سياسية استوقفها أمران: الأول إشاحة ميقاتي بنظره عن تطور ذات
ارتدادات دستورية شكّله تحديد الثنائي الشيعي جدول أعمال الحكومة عبر حصْر
مشاركتهما بجلسات إقرار الموازنة وخطة النهوض وما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي
والحياتي للبنانيين.
والثاني «البرودة» التي قابل بها
فريق رئيس الجمهورية هذا الاختراق الحكومي ولو الجزئي والذي كان شكّل مطلباً
رئيسياً لهذا الفريق وصل حدّ فتْح «جبهة» مع ميقاتي وإعلان النية على طلب حجب
الثقة عن حكومته في البرلمان.
وإذا كان «التدخّل» في جدول أعمال
الحكومة، بدا أكثر موجَّهاً من بري إلى عون على خلفية ما اعتُبر موافقة «مفخّخة»
على مرسوم فتح دورة استثنائية للبرلمان عبر تحديد برنامجها، فإن الأوساط اعتبرتْ
أن الثنائي الشيعي ولا سيما رئيس البرلمان استغلّ مرحلة «انعدام وزنٍ» في ملف
التحقيقات بانفجار المرفأ بات معها بيطار بحُكْم مغلول اليديْن بفعل شلّ عمل
الهيئة العامة لمحكمة التمييز وقدرة بري على التحكّم بمسار إحيائها، لرفع التهمة
عنه بإدخال البلاد في النفق الأكثر قتامة، وذلك من دون المرور بـ «صفقات جانبية»
يمكن أن يستفيد منها فريق عون وخصوصاً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
ومن هنا، يجرْي تَرَقُّب كبير لِما
إذا كان عون سيسلّم بما يشي بأن يكون «هدية مسمومة» يشكّلها حصْر جدول أعمال
الحكومة، الذي ورغم أن وضْعه هو من صلاحيات رئيس الوزراء (على أن يطلع رئيس
الجمهورية مسبقاً عليه) إلا أن لرئيس الجمهورية أن يطرح أياً من الأمور الطارئة على
طاولة الحكومة من خارج جدول الأعمال، وسط أجواء أشارت إلى أن ملف عشرات التعيينات
العالقة يرجّح أن يتحوّل صاعقاً بحال أصرّ عليه فريق رئيس الجمهورية وأقحم فيه
مسألة استبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وخصوصاً أن ميقاتي كان رفض إغراق
حكومته بلعبة محاصصاتٍ في تعييناتٍ ستُستثمر انتخابياً ويريد باسيل، وفق خصومه،
«حجْز» حصة الأسد له فيها (المواقع المسيحية) في الطريق الى الاستحقاق النيابي في
مايو المقبل وبما يعزز «التحكم والسيطرة» على مواقع ذات تأثيرات متعددة البُعد.
وفيما يفترض أن تشكل أول جلسة مرتقبة
لمجلس الوزراء، الإثنين المقبل، أول اختبار فعلي للنيات لمختلف الأفرقاء الذين
ستكون لهم أصلاً «حلبات مصارعة» متنوّعة في ما خص مشروع الموازنة كما خطة النهوض،
فإن مظاهر تَحَلُّل الدولة التي تتعمّق أصبحت أكبر من أن تمحوها «إنجازاتٌ
افتراضية» مثل ضخ الحياة مجدداً في الحكومة بعد تعطيل متعمّد لمئة يوم، وهو ما
عبّر عنه خصوصاً «دومينو» الانطفاء المتدحرج لسنترالات الاتصالات في عدد كبير من
المناطق «انقطعت» عن العالم (بالاتصالات الأرضية والإنترنت) بفعل انعدام القدرة
على توفير المازوت نتيجة بيروقراطية «قاتلة» وفقدان توقيع مُحاسِب في وزارة
الاتصالات يسمح بالاستفادة من سلفة 350 مليار ليرة لهيئة «اوجيرو» سبق أن أقرّها
البرلمان قبل أسابيع.
ولم يكن عابراً أن «زحف» العتمة شمل
ليل الأحد، مبنى وزارة الإعلام الذي يضمّ الوكالة الوطنية الرسمية وإذاعة لبنان
وحتى نقطة مكاتب لجهاز أمن السفارات، قبل أن يتم إنقاذ الموقف الفضائحي بحلول
موقتة وترقيعية أعادت أيضاً سنترالات إلى الخدمة بشراء مازوت بالديْن أو بهبات من
متموّلين.
x
تعليقات
إرسال تعليق