علاقة فرنسا - «حزب الله» تحطّ على رصيف حاويات مرفأ بيروت... إضاءة على الصفقة الاقتصادية بـ «غلاف» سياسي

حَجَبَ غبارُ معركةِ «تَكسير العظام» القضائية - السياسية التي يخوضها فريق رئيس الجمهورية ميشال عون على جبهة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي تمدّدت إلى حدّ ملاحقة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، التطورَ البارز الذي شكّله تلزيم شركة cma –cgm الفرنسية العالمية إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة 10 سنوات، قبل أن يساهم الحدَث الأوكراني الساخن والرياح الانفراجية التي تهبّ على مفاوضات النووي الإيراني في المزيد من احتجابِ أبعاد هذا العنوان البوليتيكو - اقتصادي.

وعشية أسبوعٍ لبناني «مشحونٍ» بتداعياتِ بلوغ ملف سلامة ذروة التدافع الخشن الذي جرّ القضاء والأمن إلى حلبة «المصارعات السياسية»، وفيما تضجّ الكواليس بمحاولاتٍ لاستشراف تأثيراتِ ما بعد الإحياء المرجّح للاتفاق النووي على مجمل رقعة الشطرنج الإقليمية بما فيها اللوحة اللبنانية التي «حجزتْها» إيران - بقوة الوقائع التي فرضتْها تباعاً عبر «حزب الله» - كأكثر أوراقها الـ «ما فوق أي تَبادُل بين الساحات»، قاربتْ أوساط مطلعة تلزيم محطة الحاويات في المرفأ للشركة الفرنسية التي يملكها رجل الأعمال اللبناني رودولوف سعادة (نجل قطب رجل الأعمال في الميدان البحري جاك سعادة) والتي تتولى صيانة وإدارة مجموعة من المرافئ في العالم، من زاويةٍ «ما فوق اقتصادية» نظراً لـ «شبكة ارتباطاتٍ» لهذا العقد تطلّ على اللحظة السياسية المحلية والإقليمية بتعقيداتها كما مقتضياتها.

وتنطلق هذه الأوساط في توصيف الأهمية التي انطوى عليها «أصل» تلزيم محطة الحاويات، من أن الأمر يتعلق بمرفأ بيروت الذي أطاح به الانفجار الهيروشيمي الذي دمّر نصف العاصمة في 4 أغسطس 2020، ما يجعل أي صفقة تتعلق بالمرفأ تنصبّ عليها الأنظار، ولا سيما أن التحقيقات في الملف لا تزال معلَّقة بفعل التدخلات السياسية في القضاء وزرْع أفخاخ بطريق عمل كبير المحققين طارق بيطار، فيما أهالي الضحايا لا يزالون ينتظرون نتائج التحقيق لتحديد المسؤولياتِ، وسط طرْح بعض القوى السياسية في الأيام الأخيرة تساؤلاتٍ حول العلاقة بين طمس الحقيقة وبدء تلزيم المرفأ لإعماره تدريجاً، بحيث يكون مقدمة لطي ملف التحقيق بالانفجار.

ولاحظت الأوساط أنه ما أن انتشر خبر التلزيم، حتى بدأ الكلام عن صفقة سياسية بين باريس وحزب الله، انطلاقاً من كون وزير الأشغال علي حمية محسوباً على الحزب ويحمل جنسية فرنسا ودرس في جامعاتها وعمل فيها، واختياره «على أنقاض» المبادرة الفرنسية التي كانت انطلقت على أساس تشكيل حكومة اختصاصيين أثار تكهنات حول كونه صلة وصل بين الضاحية الجنوبية وباريس.

علماً أن حمية كان قام بزيارة رسمية لفرنسا قبل نحو شهر من الإعلان عن الصفقة، وجال في مرفأ مرسيليا حيث استقبله رئيس cma –cgm ردولوف سعادة، واطلع بحسب بيان الوزارة على المخطط التوجيهي الذي أعدّته نائبة رئيس مرفأ مرسيليا لمرفأ بيروت بعد 4 أغسطس.

وبعيد إعلان التلزيم، أثيرت شكوك حول اذا كانت جرت مناقصة فعلية أم أن التلزيم تم بناء على صفقة سياسية واتُفق عليها بالتراضي. لكن حمية خرج بتصريحات عدة أكد فيها أن المناقصة حصلت على موافقة إدارة المناقصات وفق القوانين، وان الشركة استوفت الشروط وستسدد للبنان 20 مليون دولار من أصل 33 مليوناً عن فترة سنتين.

على أن ما جرى من تأويلات حول المناقصة أو التلزيم بالتراضي، لا يلغي حيثيات ما جرى في فرنسا، لأن كل ما أحاط بزيارة حمية في ما خص الشق المتعلق بالمرفأ، بدا وكأنه مقدمة لإعلان الصفقة مع الشركة الفرنسية، عبر وزير الأشغال المحسوب على «حزب الله».

وفي سياق متصل، كان واضحاً الاهتمام الاعلامي العالمي ليس بحجم الصفقة بل بمجرد حدوثها، خصوصاً أنه بعد انفجار المرفأ تسابقت عدة شركات صينية وألمانية وفرنسية وروسية على إعمار المرفأ. وقد نشطت ألمانيا على تقديم نموذج واسع الأهداف من أجل الحصول على حق العمل فيه.

وفي الوقت نفسه فإن شركة سعادة قدمت بحسب ما أُعلن بعد أشهر من الانفجار، مشروعاً متكاملاً على ثلاث مراحل لإعادة إعمار المرفأ وتوسيعه وتطويره، وقُدرت قيمة المرحلتين الأولى والثانية بما بين 400 إلى 600 مليون دولار. ولا تدخل الصفقة الحالية في مشروع إعادة إعمار المرفأ ككل، لأنها تتعلق فقط بمحطة الحاويات.

علماً أن الشركة نفسها تقوم بإدارة محطة الحاويات في مرفأ طرابلس. والشركة الفرنسية معروفة في مجالات العمل البحري، لكن بما أن صاحبها لبناني الأصل، فتتركز عليه الأنظار خصوصاً أنه أبدى في كثير من المناسبات اهتمامه بالاستثمار في «بلاد الأرز»، وفي قطاعات حيوية منها الاستثمار الزراعي في سهل البقاع، كما أن شركة ميريت هولدينغ التي تملكها عائلة سعادة اشترت شركة الرفاعي للمكسرات في مارس 2021. ولأنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد في لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بصفقات اقتصادية، فإنه سرعان ما بدأت التكهنات حول احتمال فتْح قنوات اتصال بين باريس و«حزب الله» على خلفيةٍ سياسية، في وقت تمت استعادة ما كتبه الصحافي في جريدة «لوفيغارو» جورج مالبرونو في كتابه الأخير، حول ملامح اتصالات بين فرنسا والحزب، بعد زيارة ماكرون لبيروت (مرتان عقب انفجار المرفأ)، مع استحضارٍ لغض باريس النظر عن سلاح «حزب الله» وموافقة الحزب على تلزيم الشركة الفرنسية إعمار المرفأ.

علماً أن سعادة كان رافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للبنان وقد ساهمت شركته في تقديم سفينة الاغاثة التي حملت مساعدات طبية وإنسانية لعدد من الجمعيات لإغاثة منكوبي «بيروتشيما» إضافة إلى مساعدات من المواد اللازمة لإعادة الإعمار.

لكن الإطار السياسي للعلاقة بين حزب الله وباريس بقي منذ سنة والى اليوم موضع تداول، في ضوء تفاصيل جرت في حينه، وتناولت الحوار بين ماكرون ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إضافة الى أن موفدين ديبلوماسيين فرنسيين زاروا الضاحية أكثر من مرة وعقدوا لقاءات على مستوى عال مع مسوؤلين في الحزب.

وقد أثيرت في حينه تساؤلات حول الانفتاح الذي أبداه الفرنسيون تجاه«حزب الله»، رغم انه تَزامَن مع تصريحات حادة اللهجة من ماكرون ضدّ الطبقة السياسية اللبنانية وتحميلها مسؤولية ما وصل إليه الوطن الصغير.

واذا كان الانفتاح الفرنسي جرى تغليفه بواقعة اقتصادية، إلا أن من الصعب في لبنان الاعتقاد أن صفقة على مستوى سياسي واقتصادي تتعلق بالمرفأ يمكن التعامل معها، في ظل الوضع الذي نتج بعد الانفجار، على أنها مجرد صفقة بين دولتين، في ظل النفوذ الذي يملكه «حزب الله»، وأهمية محطة الحاويات أمنياً واقتصادياً. وكان لافتاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التقى على هامش مشاركته في مؤتمر الأمن في ميونيخ وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان حيث جرى «عرض العلاقات اللبنانية - الفرنسية ومساعي باريس لدعم لبنان في كل القطاعات».

كما تم الاتفاق على استكمال البحث خلال الزيارة المرتقبة للودريان إلى لبنان «قريباً جداً». وكان الملف اللبناني حضر في لقاء لودريان مع نظيره الأميركي انتوني بلينكن الذي لفت عبر حسابه على «تويتر» إلى أنهما ناقشا الجهود المشتركة لمعالجة الأزمة التي أحدثتها روسيا، كما ملف إيران ومنطقة الساحل ولبنان.

وفيما أبلغ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أمس إلى ميقاتي الذي التقاه أيضاً على هامش مؤتمر ميونيخ، أن بلاده تشدد «على ضرورة تعزيز العلاقات بين إيران ولبنان في المجالات السياسية والاقتصادية»، داعياً «جميع الدول لدعم استقرار لبنان وأمنه دون تدخل أي دولة في سياساته الداخلية»، فإن العنوان اللبناني لم يغب عن كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في المؤتمر، اذ أكد في ضوء التوترات الأخيرة الحاصلة في «بلاد الأرز» على «ضرورة حلّ أي أزمة عبر الحوار»، معلناً «أنَّ الإصلاح في لبنان أولوية، وعلى القادة هناك النظر بجدية في كيفية حُكْمِ بلادهم، ونحتاج لرؤية قيادة جَماعية في لبنان تتخذ قرارات توافقية وتنهض بمسؤولياتها».

«المصدر: الراي»

تعليقات