محمد
شقير ـ الشرق الاوسط
تحظى
المبارزة الانتخابية في الشارع المسيحي باهتمام أوروبي وأميركي لما يترتّب على
نتائجها من تأثير مباشر يدفع باتجاه إعادة تكوين السلطة بدءاً بانتخاب رئيس
جمهورية جديد خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 31
أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مع أن السباق على الرئاسة الأولى قد لا يكون محصوراً
بالثلاثي زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية»
سمير جعجع ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بعد أن قرر الأمين
العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله استدراج قائد الجيش العماد جوزف عون إلى منازلة،
الذي آثر عدم الدخول معه في سجال مباشر، ونأى بنفسه عن الردّ عليه.
وكان
لافتاً أن نصر الله اختار التوقيت المناسب من وجهة نظره، ومن دون سابق إنذار
لاستدراج العماد عون إلى ملعبه، بذريعة أن الولايات المتحدة الأميركية تتمتع بنفوذ
سياسي داخل المؤسسة العسكرية من خلال الضباط الأميركيين الموجودين في اليرزة، فيما
السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا تلتقي باستمرار بقيادة الجيش، مع أن حضور
هؤلاء الضباط، وكما يقول مصدر لبناني رسمي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، يأتي في سياق
إعداد الجداول المشتركة للإفادة من المساعدات العسكرية الأميركية للبنان.
وكشف
المصدر اللبناني أن المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، سواء أكانت أميركية أم
فرنسية، تستدعي البحث في احتياجاته من قبل لجنتي التعاون اللبناني الأميركي،
والتعاون اللبناني الفرنسي، وقال إن نصر الله يعرف أن هذه المساعدات تمر بواسطة
هاتين اللجنتين المشكّلتين منذ سنوات، وبالتالي فإن حديثه عن النفوذ الأميركي داخل
المؤسسة العسكرية يفتح الباب أمام السؤال عن الأسباب الكامنة وراء إصراره على
استحضار هذا الأمر، بلا أي مقدمات سياسية.
ولفت
إلى أن العماد عون فضّل عدم الدخول في سجال مع نصر الله، وكان يُفترض بالسلطة
السياسية أن تتدخل بإصدار توضيح يعفي المؤسسة العسكرية من الرد، لأن من أولوياتها
الانصراف بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى إلى ضبط الوضع الأمني والحفاظ على
الاستقرار في البلد، برغم أن العاملين في المؤسسات الأمنية والعسكرية يعانون من
الضائقة المعيشية والاقتصادية أسوة بالسواد الأعظم من اللبنانيين.
وأكد
المصدر نفسه أن قرار العماد جوزف عون عدم الدخول في معارك جانبية مع أي طرف سياسي
محلي كان صائباً، لئلا تنعكس تداعياتها على المؤسسة العسكرية؛ خصوصاً أنه لم يقدّم
نفسه كمرشح لرئاسة الجمهورية، وإن كانت بعض المجموعات العاملة داخل المؤسسات
التابعة للمجتمع المدني تدعم ترشّحه من زاوية أنه يقف على رأس المؤسسة الوحيدة في
الدولة إلى جانب المؤسسات الأمنية الأخرى، بخلاف المؤسسات والإدارات العامة التي
أصابها الانحلال ولم تعد قادرة على القيام بواجباتها في تقديم الخدمات للبنانيين.
ورأى
أن المؤسسة العسكرية كغيرها من المؤسسات الأمنية حافظت على تماسكها، وحالت دون
انتقال عدوى الانهيار إليها كسواها من الإدارات والمؤسسات التي أُصيبت بشلل ولم
تنجح المحاولات لإنعاشها بتفعيل دورها لوقف تدهور الأوضاع، وقال إن حالات الفرار
وعدم التحاق العسكريين بمراكز عملهم ظلت محدودة ولم تؤثر سلباً على دورها في
الحفاظ على الاستقرار؛ خصوصاً أنها لم تتدخل باستخدام الإفراط في القوة في تصدّيها
للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019 ونجحت في ضبط إيقاعها، برغم أن
بعض الأطراف في السلطة حاول أن يُقحمها في صدام مع المجموعات المنضوية في الحراك
المدني.
وسأل
المصدر الرسمي عمّ إذا كانت لـ«حزب الله» مطالب اضطرت أمينه العام للتنقير على
المؤسسة العسكرية بذريعة أن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ فاعل بداخلها، أم أنه
يأتي في سياق التقليل من فاعلية الاحتضان الشعبي لهذه المؤسسة، في ظل احتدام
الصراع السياسي بين القوى السياسية الرئيسة، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات
النيابية. وقال إن التأزّم لا يزال يحاصرها وهي تحاول الآن الخروج منه بلجوء فريق
إلى رمي مسؤولية التدهور على الآخرين.
كما
سأل عمّ إذا كان «حزب الله» يتوخّى من اتهام واشنطن بتوسيع رقعة نفوذها داخل
المؤسسة العسكرية بترسيم حدود جديدة لعلاقته بها، على خلفية ما لديه من مخاوف من
جراء نفوذها، وصولاً للتعامل معها، أسوة بتعامله مع بعض المؤسسات والهيئات العاملة
في المجتمع المدني لجهة اتهامها بتلقي المساعدات المالية من الولايات المتحدة ودول
أوروبية ومنظمات دولية للتحريض على المقاومة وسلاحها، في سياق الحملات الدولية
التي يقول الحزب إنها تستهدفه، ويراد منها تأليب الرأي العام اللبناني ضده، وتأتي
بالتلازم مع الاستعدادات لخوض الانتخابات النيابية.
لذلك
من غير الجائز، بحسب المصدر الرسمي، أن يبادر «حزب الله» ولو بطريقة غير مباشرة
إلى إبداء قلقه حيال المؤسسة العسكرية، ولو من باب حذره، كما يقول نصر الله، من
تمادي النفوذ الأميركي بداخلها؛ خصوصاً أنها «ليست فاتحة على حسابها»، وتتصرف
كسلطة مستقلة عن الدولة، وهذا ما أكد عليه العماد عون في لقائه مع الوسيط الأميركي
بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما بقوله إنه يخضع لقرار السلطة
السياسية.
وعليه،
يمكن إدراج ما قاله نصر الله في إطار المفاوضات الجارية في فيينا حول الملف النووي
الإيراني الذي يشمل أيضاً «تنعيم» سلوك طهران في المنطقة، ومنها لبنان، في محاولة
لتحسين شروط حليفته، وإلا لم يكن مضطراً لتسليط الضوء على النفوذ الأميركي، وهو
يعرف جيداً من خلال تواصله مع قيادة الجيش أن اللقاءات العسكرية بين لبنان من جهة،
وبين الولايات المتحدة وفرنسا من جهة ثانية، تُعقد موسمياً وبصورة استثنائية عندما
تقرر هاتان الدولتان تقديم مساعدات عسكرية كهبة للمؤسسة العسكرية، تتطلب الاتفاق
على نوعيتها استجابة لاحتياجاتها وتتمكن في غالب الأحيان من إدخال تعديلات على
جدول المساعدات.
ويبقى
السؤال؛ هل الوجه السياسي الآخر لكلام نصر الله عن النفوذ الأميركي يكمن في فتح
ملف الانتخابات الرئاسية، باعتبار أنه الناخب الأقوى فيها، مع أن العماد عون ليس
طرفاً في البازار الرئاسي، ولن يدخل فيه؟ وإن كان الحزب يحاول أن يوحي لمن يعنيهم
الأمر بأنه الممر الإلزامي للوصول إلى سدّة الرئاسة؛ خصوصاً أنها مرتبطة بنتائج
الانتخابات النيابية التي لا يمكن عزلها عن التطورات المتسارعة التي تمر بها
المنطقة. لذلك، من السابق لأوانه الانجرار إلى حرق المراحل قبل التأكد من إنجاز
الاستحقاق النيابي الذي لن يأتي برئيس من وجهة نظر المجتمع الدولي على قياس عون،
وكان للحزب دور الرافعة التي أوصلته إلى بعبدا.
x
x
تعليقات
إرسال تعليق