حسم
اللبناني أحمد أمره ببيع سيارته الرياضية ذات الاستهلاك المرتفع للوقود، لشراء
أخرى اقتصادية، تقضي حاجته في التنقل من دون أن «تحرق أموالي»، حسبما يعبر لـ«الشرق
الأوسط»، متخوفا من أن يصبح ملء خزان الوقود يعادل راتبه الشهري، على حد تعبيره.
ويتخذ
سعر صفيحة البنزين في لبنان مسارا تصاعديا، مع توقعات بتخطيها عتبة الـ600 ليرة
لبنانية خلال أسابيع، أي ما يعادل الحد الأدنى للأجور في البلاد.
وبفعل
الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ارتفع سعر برميل النفط عالميا، فوصل سعر صفيحة البنزين
في لبنان إلى 441 ألف ليرة لبنانية في آخر جدول لأسعار المحروقات، مسجلا ارتفاعا
بحوالي 80 ألف ليرة لبنانية خلال عشرة أيام.
هذه
الأزمة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير لدى العديد من اللبنانيين من أصحاب
السيارات ذات المحركات الكبيرة الذين احتفظوا بسياراتهم بعد رفع الدعم عن
المحروقات الصيف الماضي، إلا أن الارتفاع المتواصل لسعر صفيحة البنزين دفعهم
لإيجاد بدائل اقتصادية تؤمن حاجتهم الضرورية بالتنقل من دون أن تزيد من أعبائهم
المالية، خصوصاً أن تكاليف الصيانة ارتفعت أيضًا فأصبحت بعض السيارات عبئاً كبيراً
على أصحابها.
ويشرح
أحمد أن «ملء خزان وقود سيارتي يحتاج لثمانين لترا من البنزين، تكلفتها اليوم 1.7
مليون ليرة لبنانية (حوالي 85 دولارا)، أي أساس راتبي!».
ويضيف:
«كنت أملأ خزان الوقود قبل رفع الدعم بـ130 ألف ليرة (حوالي 7 دولارات)، وكانت
الكمية تكفي لمدة أسبوع كامل، أما اليوم وبسبب الغش ونوعية المحروقات الرديئة
فالكمية نفسها لا تكفي أربعة أيام».
ولم
يعد باستطاعة أحمد دفع تكاليف صيانة سيارته، ويشرح أن «تغيير زيت السيارة وحده
أصبح لا يقل عن 800 ألف ليرة (حوالي 40 دولارا)، هذا من دون احتساب أي أعطال أخرى
قد تطرأ».
ويضيف:
«لا بد لي من أن أتخلص من سيارتي ولو بخسارة، رغم حبي للسيارات الرياضية السريعة،
لكنها أصبحت تفوق قدراتي، فراتبي الذي كان يساوي حوالي 1400 دولار في السابق تآكل
وأصبحت قيمته لا تتخطى الـ100 دولار».
ويعرض
أحمد سيارته للبيع بـ7000 دولار، في حين أن سعرها الفعلي هو 10000 دولار، مرجعا
السبب إلى «الإقبال شبه المعدوم على سيارات الـ6 (سلندرات)»، ويبحث بالمقابل عن
سيارة اقتصادية صغيرة. ويقول: «ولى زمن الاستعراض واقتناء سيارات فارهة... نحن في
زمن الحد الأدنى إن وُجد».
السيارات
الاقتصادية
ويوضح
رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي لـ«الشرق الأوسط» أن
«الناس اتجهت لشراء السيارات الصغيرة مع بدء أزمة المحروقات في لبنان وارتفاع
أسعارها».
ويشير
إلى أن «مستوردي السيارات المستعملة لم يعمدوا في السابق إلى استيراد سيارات صغيرة
مستعملة لأن جمركها كان أغلى من جمرك السيارة الجديدة. أما الآن، وقد أصبح سعر
الجمرك مناسبا أصبح باستطاعتنا تلبية السوق واستيراد سيارات صغيرة تساعد المواطنين
على توفير استهلاك مادة البنزين».
ويشير
قزي إلى أن أغلبية المواطنين الذين يملكون سيارة بمحرك كبير (6 و8 سلندرات) يعمدون
إلى بيعها أو ركنها، ويلجأون إلى السيارات الصغيرة في الوضع الحالي».
ورفعت
الحكومة اللبنانية منذ شهرين تعريفة بدل النقل للقطاع الخاص من 24 ألف ليرة إلى 65
ألفا عن كل يوم حضور، إلا أن المبلغ المذكور لا يكفي العديد من الموظفين من أصحاب
السيارات الكبيرة، ومنهم غيدا التي باعت سيارتها الرباعية الدفع القديمة بـ3 آلاف
دولار، وتبحث عن سيارة صغيرة بالمبلغ نفسه لكن دون جدوى.
وتقول
الممرضة التي تقطن في منطقة الحازمية وتعمل في أحد مستشفيات منطقة الأشرفية
(بيروت) لـ«الشرق الأوسط» إن «السيارة الصغيرة التي كان ثمنها 3 أو 4 آلاف دولار
قبل أزمة المحروقات، أصبحت تكلف 5 آلاف دولار بالحد الأدنى».
وإذ
يؤكد قزي ارتفاع أسعار السيارات الصغيرة بسبب ازدياد الطلب عليها، يشرح أن
«الارتفاع هو بالحد الأدنى أي بين 500 و1000 دولار عن السعر السابق، أما السيارات
ذات المحركات الكبيرة فلا تلاقي إقبالا ولا تُطلب».
ويلفت
قزي إلى أن «حوالي 80 في المائة من السيارات التي يتم استيرادها هي من السيارات
الاقتصادية»، ويقول: «85 في المائة من المواطنين اللبنانيين يتقاضون رواتبهم
بالليرة، وهم مجبرون بالتالي على اللجوء إلى السيارة الصغيرة لتأمين وسيلة نقل
تتناسب مع قدرتهم، خصوصا مع اقتراب اعتماد الدولار الجمركي على سعر منصة صيرفة».
ويلفت
إلى أن النقابة قدمت اقتراحا للكتل النيابية يعتمد زيادة الرسوم الجمركية بشكل
تصاعدي على السيارات، لتخفيف الضرر عن ذوي الدخل المحدود الذين يحتاجون إلى اقتناء
سيارات.
وفي
حين يلجأ البعض إلى السيارات الاقتصادية، يبحث العديد من اللبنانيين عن وسائل
النقل الأقل تكلفة، فاختار رامي شراء دراجة نارية صغيرة بتكلفة 800 دولار على
اعتبار أنها «وسيلة النقل الأوفر في الوقت الذي أصبح فيه مستقبل سعر البنزين
مجهولا» على حد تعبيره.
ويحكي
الموظف في المحاسبة، والشريك في شركة صغيرة لبيع المأكولات البيتية الجاهزة
لـ«الشرق الأوسط»، أنه يحتاج إلى التنقل بشكل يومي من وإلى عمله، ولتوصيل الطلبيات
للزبائن.
ويؤكد
تضرره من أزمة المحروقات التي شلت البلاد الصيف الماضي، ويقول: «مللنا من مشهد
الطوابير أمام محطات البنزين لم يعد باستطاعتي الاعتماد على السيارة مع العلم أن
محركها صغير، لكن ارتفاع سعر البنزين أو انقطاعه من جديد وعودة السوق السوداء قد
يوقع شركتنا الصغيرة بخسائر أو يضطرنا إلى رفع الأسعار وبالتالي يعرضنا لخسارة الزبائن».
وشهد
لبنان في صيف العام 2021 أزمة محروقات خانقة، حولت البلاد إلى مرأب سيارات كبير،
حيث اصطفت الطوابير أمام المحطات أملا بتعبئة المادة، واقتصرت حركة اللبنانيين
بسياراتهم على الضروري والطارئ.
ويقول
رامي: «تكلفة التجول بالدراجة النارية توازي ربع تكلفة التجول بالسيارة»، «وربما
في حال ارتفعت أسعار المحروقات أكثر سنتحول إلى استخدام الدراجة الهوائية» يضيف
ممازحا.
«الشرق
الأوسط»
تعليقات
إرسال تعليق