بعد «نبْش» أحداث عين الرمانة والادعاء على رئيس «القوات اللبنانية»... هل تُحاك «سيدة نجاة» ثانية لـ جعجع؟...
كتبت
صحيفة «الراي»:
«قنبلة
سياسية» بـ «صاعق» قضائي.. هكذا جاء وقْعُ ادعاءِ مفوّض الحكومة لدى المحكمة
العسكرية القاضي فادي عقيقي على رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في
ملف أحداث الطيونة - عين الرمانة.
فالخبر
رغم «غلافه» القضائي، إلا أنه في لبنان وفي غمرة الملاحقات ذات المنحى الواحد
وتجميد ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، تصبح لمثل هذا الادعاء على جعجع نكهة
سياسية خالصة، وسط شبهةٍ بأن التعامل مع «القوات» يتمّ على أنها الخاصرة الرخوة
التي يمكن التصويب عليها ربْطاً بدورها في الحرب اللبنانية.
في
الشكل لم يعلن عقيقي الادعاء علانية، بل انتشر الخبر عن طريق التسريب حتى أنه لم
يحصل على إحاطةٍ كاملة، بعد الالتباس الذي حصل بسبب توقيته ومغزاه.
ففي
أعقاب ستة أشهر على أحداث الطيونة - عين الرمانة، وخمسة أشهر على ختْم مفوض
الحكومة لدى المحكمة العسكرية التحقيق بعدما رفض جعجع الحضور للاستماع اليه لدى
مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، عاود عقيقي فتْح الملف وطلب الادعاء على رئيس
«القوات».
الادعاء
يحمل وجوهاً عدة في توقيته. اذ ان ملف أحداث الطيونة - عين الرمانة (وقعت خلال
محاولة اقتحام مناصرين لحركة «أمل» و«حزب الله» منطقة عين الرمانة أثناء تظاهرة
تطالب بإقالة المحقق العدلي بانفجار المرفأ القاضي طارق بيطار) نائم في الأدراج
السياسية والقضائية منذ أشهر، وجاءت خطوة عقيقي لتعاود نبش القضية بذريعة واهية
تتعلّق بتصريحٍ ورد على إحدى القنوات في مواقع التواصل الاجتماعي، من شخصية كانت
تنتمي الى حزب «الأحرار» وأصبحت بحسب «القوات» مؤيدة للتيار الوطني الحر (حزب
الرئيس ميشال عون).
كما
أتى هذا التطور عملياً بعد رمي قنبلتين صوتيتين في عين الرمانة اثر إشكال على
خلفية تعليق لوحات إعلانية انتخابية.
على
أن توقيته السياسي يبقى الأكثر أهمية، إذا جاء في مرحلة التحضير للانتخابات
النيابية (15 مايو المقبل) التي يتحرك فيها جعجع في شكل كثيف، مركّزاً كل جهده على
اختيار المرشحين وتشكيل اللوائح، في ظل رهانه على تكبير حجم حصته النيابية، وهو ما
استمرّ عليه بعد الادعاء عليه من خلال إعلانه ترشيحات عكار والبقاع.
وفيما
سعت «القوات» إلى التخفيف من وقع معاودة تحريك القضية، وخصوصاً ان دوائرها
القانونية فنّدت عدم أحقية عقيقي في الإدعاء على جعجع، فان الادعاء في ذاته يترك
سبيلاً إلى سيل من التكهنات، ومنها احتمال تأثيره على إجراء الانتخابات النيابية،
وخصوصاً أنه تَرافَقَ مع مجريات قضائية موازية تتعلق بحاكم مصرف لبنان وشقيقه في قضايا
مالية، والادعاء على محطة «ام تي في» والاعلامي مارسيل غانم.
لكن
مقاربة الادعاء على جعجع، لا يمكن ان تنحصر فعلياً في حادثة عين الرمانة. وهو نفسه
استعاد في كلمته أمس مراحل حل حزب «القوات» في ظل النظام السوري ووصايته على
لبنان.
في
عام 2008 وأثناء احتفال «القوات» بذكرى شهدائها في الحرب، قدّم جعجع اعتذاراً عن
ارتكاباتٍ حصلت خلال الحرب. وقد يكون جعجع من القلة القلائل بين القادة السياسيين
الذي اعتذر عن الحرب وما حصل فيها، إضافة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد
جنبلاط الذي اعتذر كذلك عن حرب الجبل عام 1982.
ورغم
اعتذاره ومحاولته صوغ بعض العلاقات التسووية مع القوى السياسية ومساهمته في
التسوية الرئاسية التي قدّم نصف اعتذارٍ عنها لاحقاً بصيغة «آسف أشد الأسف» بعد ما
حصل في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن موقع «القوات اللبنانية» في
المشهد الداخلي يتعرّض من حين إلى آخر لهزة سياسية. وهي إشكالية أساسية في مقاربة
وضع «القوات» بعدما غُفرت ذنوب كل القوى السياسية من دونها، منذ أن أُلصقت بها
تهمة تفجير كنيسة سيدة النجاة عام 1994 وحل حزب «القوات» في مثل هذه الأيام وإحالة
جعجع على المحاكمة التي تفرّعت منها محاكمات أخرى تتعلق باغتيال الرئيس رشيد كرامي
ورئيس حزب الوطنيين الاحرار داني شمعون وعائلته.
بريء
جعجع من تفجير الكنيسة لكنه دين بجرائم أخرى، وحُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة
في أحكام لطالما اعتبرها جعجع ومعارضو النظام السوري «سياسية» وغب طلب زمن
الوصاية، إلى أن صدر قانون العفو عام 2005 وخرج رئيس «القوات» بموجبه مع مجموعة من
المسجونين الإسلاميين.
خروج
جعجع تم بتسوية سياسية، من ضمن التسوية التي صاغها المسيحيون مع تيار «المستقبل»
والحزب التقدمي الاشتراكي والاطار العام الذي حكم لبنان بعد خروج الجيش السوري، من
دون رضى نواب حزب الله وحركة أمل.
لكن
على مدى السنوات التالية، لم يتمكّن جعجع من نزْع إطار الحرب عنه، وظلّت القواعد
الحزبية لخصومه تذكّره بصفحاتٍ من الحرب وبالأحكام القضائية بحقه. وهكذا أُبقيتْ
سحابة رمادية تظلل «القوات»، مع العلم أنها تمكنت من الدخول بفعل تحالفها مع
الرئيس سعد الحريري في انتخابات عامي 2005 و2009 الى البيئة السنية. إلا أن ما حصل
أخيراً من تعليق الحريري عمله السياسي ارتدّ على جعجع اولاً إذ انه حُمّل مسؤولية
خروج زعيم «المستقبل» وعدم رضى السعودية عنه، وهذا ما ينعكس على التحالفات
الانتخابية للدورة الحالية، مع أن «القوات» تحافظ على علاقة جيدة مع مجموعة من
الشخصيات السنية، وعلى رأسها الرئيس فؤاد السنيورة الذي تنسّق معه انتخابياً.
علماً ان «المستقبل» سارع الى انتقاد حاد ولافت لخطوة الادعاء على جعجع رغم
الخلافات بينهما.
والأمر
نفسه تكرر مع البيئة التابعة للتيار الوطني الحر الذي عادت وارتدّت على «القوات»،
بعدما تَكَرَّسَ الافتراق بين الطرفين على خلفية موقف «القوات» من عهد عون وخصوصاً
بعد التظاهرات التي اندلعت في 17 اكتوبر 2019.
في
المقابل وبعد نحو 17 سنة على خروج جعجع من السجن، بقيتْ العلاقة مع حزب الله مقطوعة،
تتخللها من حين الى آخر إشارات إيجابية كان جعجع يرسلها سابقاً حول عدم تورط الحزب
في الفساد، ولقاءات على هامش جلسات مجلس النواب، ولقاءً اعلامياً تكريمياً عُقد
على غداء يوم كان وزير الاعلام ملحم الرياشي ممثلاً لـ «القوات» في الحكومة. إلا
أن العلاقة اجمالاً ظلت مقطوعة.
وبقي
جمهورا الطرفين يتصارعان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن «انفجرت» في عين
الرمانة، وقبْلها في رفض حزب الله دخول القوات على خط تظاهرات 17 اكتوبر وقطع
الطرق، ورفض القوات لممارسات عناصر الحزب في وسط بيروت.
ومع
ان التحقيقات في أحداث الطيونة - عين الرمانة أظهرت وجود ضحايا ينتمون الى حركة
«أمل» وأن النار لم تُطلق فقط من جانب مناصرين لـ «القوات» بل من جهة الجيش
اللبناني الذي سقط ضحايا برصاصه، لكن حزب الله اغتنمها فرصة للتصويب على «القوات»
بحدة من خلال خطابات مركّزة لأمينه العام السيد حسن نصرالله.
في
المقابل كان بري يحاول احتواء الوضع وجرت اتصالات تهدئة أسفرت عن طي الملف،
وخصوصاً ان لعقيقي صلة قرابة مع بري.
واليوم
يتخذ المنحى القضائي كما في كل الملفات الأخرى أبعاداً سياسية تتعلق بفتح ملف
حادثة عين الرمانة وإحياء التوترات الشعبية بعدما عمل الطرفان على تهدئتها،
وباحتمالات الذهاب إلى توسيع إطار القضية وتَطَوُّرها بما يُفهم منه أنه «سيدة
نجاة ثانية» كما كانت الأجواء بعيد حادثة عين الرمانة، وصولاً الى احتمال تطيير
الانتخابات.
والسؤال
يبقى معلَّقاً حول: ما معنى الادعاء اذا كان سيعزّز شعبية جعجع بعد تحذير حزب الله
أي فريق من التحالف معه، إلا إذا كان الهدف فقط تطيير الانتخابات؟
وما
الاحتمالات التي سيتخذها الوضع ميدانياً إذا ظل الإصرار القضائي يوازي إصرار جعجع
على مثول الأمين العام لحزب الله قبله أمام القضاء؟ وهل يعمل بري على تخريجة ثانية
لوأد القضية؟
تعليقات
إرسال تعليق