العالم أمام إحدى نهايتين حتميتين للحرب الأوكرانية..

مع دخول الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا شهرها الثاني، تقف عوائق كثيرة أمام تقدير حجم الكارثة التي أحدثتها موسكو، فيما تشير توقعات إلى أن النزاع قد ينتهي بواحدة من نهايتين: إما الإبادة أو الهزيمة، وفقا لمقال نشره موقع "ذا أتلانتيك كاونسل".

ويستعرض كاتب المقال، بيتر ديكنسون، وهو رئيس التحرير لمجلة "Business Ukraine"، تسلسلا زمنيا لـ "الهوس" الذي انتاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول أوكرانيا، التي يرى فيها تأكيدا على "انعدام العدالة" في "النظام العالمي" عقب انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ينشر إليه على أنه "تلاشي روسيا التاريخية".

ورغم أن بوتين ليس أول حاكم لروسيا سعى لكبح استقلال أوكرانيا وإبطال وجودها، فهناك أمثلة عديدة عبر التاريخ تمتد لما قبل الإمبراطورية الروسية، إلا أن "قلة فقط تبنوا هذا الأسلوب من الإنكار بالشكل الذي أظهره بوتين، الذي أوضح أن إنهاء الاستقلال الأوكراني يشكل مهمة مقدسة ستحدد مكانته في التاريخ"، وفقا للمقال.

أول لمحة من تدخل بوتين في مصير أوكرانيا، كانت في عام 2004، عندما زار كييف عشية الانتخابات الرئاسية لدعم المرشح الموالي للكرملين، لكن "هذا التدخل المتغطرس" أتى بنتائج كارثية ليندد الموالون للديمقراطية الأوكرانية وتثور احتجاجات عرفت باسم "الثورة البرتقالية".

وبعد "الثورة البرتقالية" تسبب توجه أوكرانيا نحو الديمقراطية وتقربها إلى الغرب بإقناع بوتين بضرورة إعادة فرض النفوذ الروسي عليها، يقول ديكنسون: "لاحقه كابوس الثورات المطالبة بحق الشعوب التي اكتسحت أوروبا في الثمانينيات والتي أشعلت شرارة تفكك الإمبراطورية السوفيتية، واعتبر الصحوة الديمقراطية التي عاشتها أوكرانيا مخططا غربيا وتهديدا مباشرا على نظامه الاستبدادي".

وفي عام 2014، عقب احتجاجات ثورة الميدان الأوروبي، ضم إقليم القرم الأوكراني إلى روسيا وأشعل حربا بالنيابة في شرقي أوكرانيا.

وفي السنوات الثماني التي فصلت بين غزو شبه جزيرة القرم وبداية الغزو الشامل الذي تشنه روسيا حاليا، تدهورت العلاقات بين روسيا والغرب، وخلال هذه الفترة، أكد بوتين، من خلال رفضه السعي وراء حلول وسطى واستعداده لبدء حرب باردة جديدة، الأهمية القصوى التي يوليها لأوكرانيا، لتزول أي شكوك عالقة في هذا الصدد في 24 فبراير عندما شنت القوات الروسية أكبر غزو أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية.

النهاية الأولى: إبادة جماعية

ويشير ديكنسون إلى أنه لا غرابة في الدعم الذي أبداه الشعب الروسي تجاه حملة بوتين في أوكرانيا، فمنذ سنوات وعقب ضم إقليم القرم، واصلت "البروباغندا السامة" تحت إشراف الكرملين بإقناع متابعي الأخبار الروس بـ "أكاذيب لا أساس لها"، كأن تظهر الأوكرانيين وكأنهم خلفاء لنظام أدولف هتلر النازي.

ونوه في مقاله إلى "سخافة" تلك الادعاءات بالأخص مع وجود يهودي على رأس الدولة الأوكرانية، أي الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وحيث تصارع الأحزاب اليمينية إلى ضمان ولو 1 في المئة من الأصوات الانتخابية.

لكن "الجرائم ضد الإنسانية التي شهدناها في الشهر الأول من الاجتياح الروسي تعد البداية فقط"، وفقا للمقال الذي يوضح أنه "من خلال نزع الشرعية عن الدولة الأوكرانية وتجريد الأوكرانيين من إنسانيتهم، مهّد بوتين الطريق لشن حرب إبادة، وقتل آلاف المدنيين بالفعل في القصف المكثف على البلدات والمدن الأوكرانية. تم استهداف المباني السكنية والمدارس والمستشفيات والملاجئ المؤقتة بشكل متعمد فيما يبدو أنه حملة روسية لزيادة الخسائر في صفوف المدنيين".

وعلى خط المواجهة في الصراع، نقل ديكنسون تقارير تفيد أن المدنيين الفارين من القصف في المدن الأوكرانية المحاصرة أجبروا على المرور عبر معسكرات تصفية مصممة لتحديد أي شخص يتعاطف مع أوكرانيا، و" في بلد يسود فيه الشعور الوطني أعلى مستوياته على الإطلاق، يمكن أن يشمل ذلك بسهولة ملايين الأوكرانيين. تتكشف التفاصيل أيضا عن مدنيين أوكرانيين يتم ترحيلهم بأعداد كبيرة إلى روسيا".

ويؤكد أنه "مع استمرار الحرب، ستتصاعد الفظائع. القوات الروسية مهيأة للنظر إلى الأوكرانيين على أنهم أقل من بشر وقد يصبحون متطرفين بسبب مقتل رفاقهم، ما قد يجعلهم أقل ميلا للتمييز بين المدنيين والمقاتلين الأعداء، بينما سيُستخدم رفض أوكرانيا للاستسلام ومقاومة البلاد المستمرة لتبرير الأعمال الانتقامية الوحشية".

النهاية الثانية: الهزيمة

يطرح ديكنسون سؤالا في مقاله: "هل يمكن أن نوقف بوتين؟"، ويشير إلى أن الخطوة الأولى تكمن في تحديد "الواقع المرير وراء نواياه المدمِّرة"، فكما قال تيموثي سنايدر، المؤرخ من جامعة ييل الأميركية بتغريدة: "عندما يقول بوتين إنه لا وجود لدولة أوكرانية أو أمّة أوكرانية، فهذا يعني أنه ينوي تدمير الأمة الأوكرانية والدولة الأوكرانية، الجميع يدرك هذا، أليس كذلك؟"

ويشير المقال إلى أنه من أجل وقف جهود بوتين يجب هزيمته، وأن "أقل من ذلك سيعتبر تعليقا مؤقتا قبل محاولته التالية لتدمير أوكرانيا، وبالنسبة للمجتمع الدولي، فهذا يعني شن حرب اقتصادية شاملة على روسيا مع رفع إمدادات الأسلحة بشكل حاد إلى أوكرانيا".

ومع إثبات الجيش الأوكراني وشعبه قدراتهم على التصدي للعدوان الروسي، وألحقوا خسائر جسيمة بموسكو، التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية الأساسية. "وإن زودت أوكرانيا بالأسلحة المناسبة وبكميات كافية، فإنه بإمكانها الفوز في هذه الحرب".

هزيمة روسيا "تتمثل بإفلاسها أيضا"، إذ يقول ديكنسون إن العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي فرضتها دول العالم على موسكو، "لم تكن بفعالية كبرى"، ويوضح "من الأهمية بمكان أن نفهم أن بوتين مستعد لتحمل معاناة اقتصادية كبيرة من أجل تحقيق هدفه التاريخي المتمثل في سحق أوكرانيا. بدلا من السعي لردع الكرملين، يجب أن يكون الهدف هو عزل البلاد تماما عن الاقتصاد العالمي وحرمان روسيا من الإيرادات التي تحتاجها لتمويل الحرب".

وفي سبيل تحقيق ذلك، سيحتاج القادة الغربيون إلى أن يكونوا مستعدين لأن تدفع بلادهم أيضا ثمنا باهظا، فقد حذر المستشار الألماني، أولاف شولتز، من أن فرض حظر على واردات الطاقة الروسية سيعني ركودا أوروبيا، لكن ديكنسون يؤكد أنه "يجب عليه أن يستيقظ بشكل عاجل على حقيقة أن البديل هو: إبادة جماعية أوروبية".

(الحرة)

 

تعليقات