إيلي
يوسف ـ الشرق الاوسط
عندما
استخدمت الولايات المتحدة السلاح النووي للمرة الأولى في تاريخ البشرية، كان ذلك
لوضع حد للحرب العالمية الثانية. اليوم، تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
باستخدام هذا السلاح في الحرب التي يصر على تسميتها «عملية خاصة» ضد أوكرانيا، قد
يكون الشرارة لإطلاق حرب عالمية ثالثة، كان يظن أنها باتت من سابع المستحيلات.
وليس
خافياً أن «تدمير العالم» أصبح أكثر يسراً في ظل المخزون العالمي الضخم من هذا
السلاح المدمر. لكن هل هذا الخيار مطروح حقاً على الطاولة؟...
نظرياً
كان يُنظر إلى هذا السلاح على أنه «سلاح ردع». لكن تعقيدات «العملية العسكرية»
الروسية، يبدو أنها دفعت بوتين، حتى من قبل بدئها، إلى التلويح به، بعدما أدرك
متأخراً أن حساباته قد أخطأت في تقدير ردود الفعل الدولية، ومواجهته مقاومة
أوكرانية شرسة، تهدد بتحويل أوكرانيا إلى مستنقع، قد لا تتمكن روسيا من الخروج منه
موحّدة، بما يذكّر بمصير الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من 30 عاماً.
لكنّ
هناك من يحذّر من أنه إذا كان خيار الاستخدام الموسع للسلاح النووي أمراً مستبعداً
حتى الآن على الأقل، لكن لا شيء يمنع من لجوء روسيا إلى استخدام «أسلحة نووية
تكتيكية»، مصممة للاستخدام في ساحات حرب محددة، والتي يمكن أن تكون قوتها تعادل
جزءاً بسيطاً من قوة قنبلة هيروشيما، بما يقلل من قدرتها على الفتك، ويحدّ من مدى
التدمير ومجالات الإشعاع المميتة. وهو ما قد يحفز روسيا على استخدامها، بهدف تدمير
محدود لمدن أوكرانية، من دون تسويتها بالكامل.
كما
قد يمكن الرئيس الروسي من توجيه رسالة نارية، من دون التورط في مواجهة نووية
مفتوحة، يقول مصدر عسكري أميركي، إنه يدرك أن الولايات المتحدة قادرة على تعطيل
معظم صواريخه النووية، في ظل امتلاكها أكثر من 30 ألف صاروخ مضاد للصواريخ
الباليستية الروسية، جرى تطويرها منذ ما أُطلق عليه برنامج «حرب النجوم»، في عهد
الرئيس الأسبق رونالد ريغان.
وفيما
يُعتقد أن الروس يمتلكون ما يقرب من 2000 قطعة سلاح نووية تكتيكية، بعضها صغير
جداً لدرجة أنه يمكن إطلاقه من طوربيدات بحرية أو قذائف مدفعية وغيرها، فإن
استخدامها قد يصيب العالم بالرعب، خصوصاً إذا تم حشر روسيا في الزاوية، من دون أن
يؤدي بالضرورة إلى إشعال حرب عالمية ثالثة.
ورفع
بوتين بالفعل مستوى التأهب لقواته النووية، رغم تقليل واشنطن من أهمية هذه الخطوة.
لكن تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم الاثنين، من «أن
احتمال نشوب صراع نووي، الذي لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام، عاد الآن
إلى عالم الاحتمال»، طرح مخاوف جدية من حدوث هذا الاحتمال.
يقول
الجنرال المتقاعد مارك كيميت، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية، إنه لا
يتوقع أن يستخدم بوتين أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا لتحقيق أهدافه. ويضيف
كيميت لـ«الشرق الأوسط»: «لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن استخدام بوتين لهذه الأسلحة
قد يحصل فقط إذا انغمس حلف الناتو في الصراع واندلع القتال بين الناتو وروسيا».
وقال
إنه سيكون من غير المحتمل، في البداية، أن يتوسع هذا إلى حرب نووية عالمية
واستراتيجية. وقد يتم حصرها في الأسلحة النووية التكتيكية في البلدان المنغمسة
مباشرة في القتال، ولكن ليس من العقيدة الروسية (أو الميزة) توسيع هذا إلى نزاع
نووي عالمي. وأضاف كيميت: «السمة الرئيسية لسياسة (التدمير المتبادل) هي الحتمية
التي لن يفوز بها أي جانب».
وتعليقاً
على تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة، قال كيميت: «أرى هذا على أنه إقرار بأن
هناك احتمالاً لاستخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية في هذا الصراع القائم على
تصريحات كبار القادة الروس في هذا الصدد».
وبينما
يقول بعض الخبراء إن الهدف الأول من أي ضربة نووية، قد تكون مصادر الطاقة الرئيسية
في العالم، بهدف قطع إمداداتها، وهو ما قد يعني تصعيداً خطيراً في اتجاهات الحرب
على أوكرانيا، يشكك مايكل أوهانلن، كبير الباحثين في معهد «بروكينغز» في واشنطن،
في احتمال شن ضربة نووية.
وقال
لـ«الشرق الأوسط»، إنه يشكك بشدة في أن بوتين سيستخدم الأسلحة النووية، ما لم
يتدخل الناتو بشكل مباشر في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ويعتقد
الكثير من المراقبين أن بوتين لن يخاطر حتى بهجوم نووي منخفض الدرجة، لأنه قد يؤدي
إلى فرض عقوبات أعمق من تلك التي تعوق الاقتصاد الروسي بالفعل، ويزيد من معارضة
الحرب في الداخل، ويؤثر سلباً على تحالفه المهم للغاية مع الصين، ويغير مفاهيم
الدول التي لا تزال تحافظ على رهاناتها مع روسيا، بما في ذلك الهند والبرازيل
وجنوب أفريقيا، حسب صحيفة «واشنطن بوست».
وإذا
كان بعض التحليلات يتحدث عن «الحالة العقلية» للرئيس الروسي، لكن عدداً من
الخبراء، بمن فيهم مدير وكالة المخابرات المركزية، قالوا إنه لا يزال إلى حد ما
ضمن معيار العقل. ورغم ذلك، يقدّرون أنه معزول وغاضب، وهي ظروف يمكن أن تتصاعد
بسرعة، فيما الجيش الروسي يحرز تقدماً أقل بكثير من تقديراته.
ويضيف
هؤلاء أنه من الصعوبة تخيل قبول بوتين بهزيمة عسكرية كاملة، دون أن يحاول استخدام
الأسلحة النووية، أو على الأقل التكتيكية منها، التي قد يراها أكثر جاذبية، لتفادي
الهزيمة. وهو ما يصفه الخبراء بأنها استراتيجية روسية للتصعيد من أجل التهدئة،
ودفع الأزمة الأوكرانية إلى ذروتها، لمحاولة فرض تسوية مع الغرب لمصلحة موسكو.
وعليه
يقول بعض الخبراء إن الخطر أعلى مما قد يعتقده الغرب، لأن الخيار النووي في عقلية
بوتين، قد لا يبدو من المحرمات. ويستشهد هؤلاء بخطابه السنوي عام 2018 عندما بدا
مزهواً وسط تصفيق الحضور بالصواريخ النووية فائقة السرعة، وهي تتساقط على إحدى
الولايات الأميركية.
تعليقات
إرسال تعليق