تكاد
بطاقات الدفع المصرفية الصادرة عن البنوك اللبنانية تتحول «لزوم ما لا يلزم» في
جيوب حامليها، بعدما تفشت الإجراءات المتنوّعة لتقييد الاستخدام من البطاقات
الائتمانية الى مثيلاتها المرتبطة بحسابات الرواتب أو الحسابات الجارية للودائع،
فيما تزهو البطاقات الجديدة المستندة الى سيولة بالدولار الطازج (فريش) بترحيب حار
في مجمل نقاط البيع داخل لبنان، وتحوز قابلية الاستخدام في الخارج.
وارتفع
منسوب الريبة في صفوف الموظفين والمودعين، بعدما انضمت المخازن الكبيرة ونقابة
أصحاب السوبر ماركت إلى التشدد في قبول السداد عبر البطاقات، مشترطةً دفع نصف قيمة
الفاتورة بالنقد الورقي، ومنذرة بأنها قد تضطر لاحقاً إلى رفض السداد الالكتروني
كلياً، ما لم يستجب البنك المركزي الى مطلب تمكينها من مبادلة حواصل المدفوعات
بدولاراتٍ نقدية من خلال منصة «صيرفة» التي يديرها والتي تتيح بيع أي مبالغ
بالليرة مقابل الدولار، وباعتبار أن الأموال المحصّلة الكترونياً تضاهي تماماً
السيولة الورقية.
ويترقب
حملة البطاقات، مع مشغّلي أجهزة نقاط البيع المنتشرة في نحو 31 ألف مركز بيع متنوع
السلع، ما سيقرره مصرف لبنان في شأن الأموال المكدّسة شهرياً لصالح الموظفين
والمودعين، وخصوصاً أن البنوك عمدت بدورها الى خفض سقوف السحوبات المتاحة بالليرة
الى ما بين 5 و 8 ملايين ليرة شهرياً، أي ما يوازي 400 دولار بالحد الأقصى.
كما
أن تعميم البنك المركزي رقم 161، والذي يتيح للمستفيدين من مندرجاته سحب 800 دولار
شهرياً (بينها 400 دولار نقداً)، انما يشترط في المقابل تحرير نصف المبلغ بالليرة
بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، ولكن على أن يحصل المودع على 2.4 مليون ليرة ورقياً
ويتم ضخ مبلغ مواز بالقيمة عيْنها عبر بطاقة الدفع.
وتخشى
مصادر متابعة وسوقية من تَفاقُم أزمة السيولة الى حدود يصعب احتوائها والتسبب
بمشكلات جديدة داخل ردهات البنوك، في ظل التحفيز الاستثنائي للطلب على النقد
الورقي بالليرة، والذي أصبحتْ له عمولات تصل الى 17 في المئة لقاء مبادلة شيكات أو
تحويلات بالعملة نفسها.
والأسوأ
المرتقب يتمثل بتفاقُم الضغوط على التوازن المعيشي الهش، بعدما شكل الدفع
الالكتروني مخرجاً «مُرْضياً» لتوزيعات مشتريات وإنفاق الأُسر بين النقد الورقي
القليل المحصّل من البنوك والنقد المتاح عبر البطاقة، ولا سيما أن ارتفاع فاتورة
التزود بالكهرباء من المولدات الخاصة باتت تستهلك نحو مليوني ليرة شهريا كمتوسط،
ومثلها متطلبات يومية تتعلق بمصاريف المحروقات الباهظة ومصاريف غذائية ونثرية
تفترض توافر النقد الورقي حصرياً.
وتشهد
ظاهرة الشح النقدي الورقي بالليرة، تَعَمُّقاً مشهوداً في حدّته بفعل ضخ البنك
المركزي للسيولة بالدولار عبر البنوك للشهر الثالث على التوالي، مستهدفاً كبح
المضاربات في أسواق القطع الموازية من خلال إعادة تحجيم الكتلة النقدية بالعملة
الوطنية التي شارفت عتبة 50 تريليون ليرة في بدايات العام الجاري، لتنحدر إلى نحو
37 تريليون ليرة منتصف الشهر الحالي وفق أحدث بيانات ميزانية مصرف لبنان.
وتشير
الإحصاءات الصادرة عن مصرف لبنان إلى تراجع عدد بطاقات الدفع بنسبة 7.93 في المئة،
أي نحو 225 ألف بطاقة خلال العام الماضي لتصل إلى نحو 2.6 مليون بطاقة مطلع العام
الجاري.
وفي
التفاصيل، إنخفض عدد بطاقات الدفع الفوري، وهي تمثل الشريحة الأكبر كونها تشمل
بطاقات الموظفين في القطاعين العام والخاص وبطاقات المودعين، بنحو 100 ألف بطاقة
لتصل الى 1.75 مليون بطاقة. بينما إنكمش عدد البطاقات الإئتمانيّة بنحو 150 ألف
بطاقة لتصل إلى نحو 215 الف بطاقة غالبيتها غير قابل للاستخدام بسبب وقف الائتمان
بالتجزئة لدى البنوك والمستمر منذ انفجار الأزمتين النقدية والمالية قبل 30 شهراً.
ويُعزى
التراجع في عدد بطاقات الدفع إلى القيود التي وضعتْها المصارف على إستعمال بطاقات
الدفع خارج لبنان، بإستثناء البطاقات المصدَّرة على حسابات جديدة مربوطة بأموال
طازجة بالعملة الأجنبيّة، والتي بسببها إمتنع بعض أصحاب البطاقات عن تجديدها أو
الإستحصال على بطاقات جديدة. في السياق عينه، تراجع عدد نقاط البيع الإلكترونيّة
بنسبة 7.51 في المئة مع نهاية العام 2021 إلى نحو 31 ألف نقطة، نتيجة ميل التجّار
نحو عمليّات البيع النقديّة في ظلّ السقوف المفروضة من المصارف على السحوبات من
جهة، وإقفال عدد كبير من المؤسّسات نتيجة الأوضاع الإقتصاديّة الراهنة من جهة
أخرى.
كما
تقلصت شبكة الصرّافات الآليّة لتضمّ 1724 صرّافاً آليّاً خلال العام 2021، مقابل
1.874 صرّافاً آليّاً في نهاية 2020. ويمكن تعليل التراجع في عدد الصرّافات
الآليّة بإقفال عشرات فروع المصارف بسبب الأوضاع الإقتصاديّة الصعبة.
«الراي»
تعليقات
إرسال تعليق