بوتين... إلى «نوفوروسيا» در

محمد إبراهيم ـ الراي

عندما وجه رئيس الأركان الأوكراني فاليري زالوجني تهديداً صارماً للقوات الروسية بالقول: «أهلاً بكم في الجحيم»، في 13 فبراير الماضي، قبل 11 يوماً من الهجوم الروسي، لم يكن أحد يتوقع أن للتهديد أرضية صلبة بالنظر إلى الفوارق الكبيرة في القدرات العسكرية بين البلدين، لكن وقائع الميدان أثبتت عكس ذلك.

مع سقوط استراتيجية «الصدمة والرعب» منذ الأيام الأولى للهجوم، بدأت روسيا بإدخال تغييرات جوهرية على خطتها، استناداً إلى نظرية أن الحرب كالحرباء، تتلون وتتبدل تبعاً للمجريات المدنية.

كثيرة هي الأسباب التي منعت القوات الروسية من تحقيق أهدافها، ويمكن اختصارها بأربعة أساسية:

1 - ضعف المعلومات الاستخباراتية وعدم توقع حجم المقاومة الأوكرانية.

2 - المشاكل اللوجستية التي واجهتها القوات البرية والأرتال المتقدمة، خصوصاً في جنوب كييف.

3 - سوء التنسيق والترابط بين القوات البرية والجوية والبحرية.

4 - عدم وضع خطة مضادة لخطة الطرف الآخر، القائمة على إغراق القوات الروسية في مستنقع حرب الشوارع والمدن.

مع طي الحرب شهرها الأول، يبدو جلياً أن خطة روسيا تبدلت، وباتت تقوم على الحصار والقصف من بعيد، والابتعاد عن اجتياح مدن كبرى خوفاً من الاستنزاف. ومع الخسائر العسكرية الكبيرة وعدم تحقيق مكاسب ميدانية مهمة تتيح للروس الجلوس على الطاولة وفرض شروطهم، يبدو أن الديبلوماسية ستتراجع إلى الخلف مقابل تقدم الميدان.

في هذا السياق، تشير المعطيات إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين انتقل إلى «الخطة باء»، لأن إسقاط حكومة كييف بالقوة بات مستعصياً، أقله في المدى المنظور. هذه الخطة تتمثل بإحياء مشروع «نوفوروسيا»، الذي لطالما حلم به بوتين، عبر السيطرة على مناطق شاسعة من الشريط الحدود لأوكرانيا، تمتد من دونباس، حيث جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، شرقاً، إلى أوديسا في الجنوب الغربي.

هذه المنطقة الساحلية كانت جزءاً من الامبراطورية الروسية، وتتمتع موانئها بأهمية استراتيجية، وستؤدي السيطرة عليها إلى تحقيق ٥ أهداف كبرى:

1 - عزل أوكرانيا تماماً عن البحر، عبر قطع تواصلها مع البحر الأسود وبحر أزوف.

2 - توسيع السيطرة الروسية على البحر الأسود، وتحويل بحر أزوف إلى بحر داخلي روسي، كونه سيصبح واقعاً بين الحدود الروسية القديمة والحدود الجديدة الممتدة من ماريوبول إلى شبه جزيرة القرم.

3 - خلق دويلات (٥ أو ٦) شبيهة بدونيستك ولوغانسك، تكون موالية تماماً لروسيا، وشوكة دائمة في خاصرة الحكومة الأوكرانية.

4 - تفتيت أوكرانيا بحدودها التي كانت قائمة قبل ٢٠١٤، العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، في احتلال غير معترف به دولياً.

5 - خلق منطقة عازلة بين روسيا وأوكرانيا، توسّع المسافة الفاصلة عن حلف شمال الأطلسي.

في المحصلة، يحقق هذا المشروع أهدافاً استراتيجية كبرى لروسيا، لكنه قد لا يؤثر كثيراً على حكومة كييف لجهة إسقاطها أو دفعها إلى الاستسلام، وتالياً يعني ذلك أن الروس يستعدون لحروب ومعارك، كبرى وصغرى، قد تستمر لسنوات.

 

تعليقات