هل تصبح أوكرانيا أفغانستان 2... لبايدن؟

جورج عيسى ـ النهار العربي

لغاية الأسبوع الثالث من نيسان (أبريل)، بدا صمود أوكرانيا أمام الحرب الروسية شبه مثالي للولايات المتحدة ورئيسها جو بايدن. استطاعت أوكرانيا دحر القوات الروسية عن عاصمتها مكبّدة إياها خسائر جسيمة في الأرواح والتجهيزات. بحسب قراءة المسؤولين في لندن، فقدت روسيا ربع قوتها القتالية خلال هذه الفترة.

ومع انتقال الأميركيين إلى استراتيجية جديدة تقوم على دحر روسيا من أوكرانيا وإضعافها بحيث لن تكون قادرة على شنّ أيّ هجوم عسكريّ على جيرانها في المستقبل القريب، بدأت الأسلحة الثقيلة بالوصول إلى كييف. بحسب ما هو ظاهر، لن يقبل الغرب باستيلاء روسيا على منطقة دونباس وعلى كامل الخط الساحلي لأوكرانيا على البحر الأسود.

باستثناء انعكاس العقوبات الغربية على روسيا مزيداً من التضخم على اقتصادات الدول الغربية، وكذلك استمرار الخلافات حول ضرورة وقف استيراد صادرات الطاقة الروسية، بدت نتيجة الحرب مناسبة للغرب... إلى أن بدأت المرحلة الثانية من "العملية العسكرية الخاصة" لروسيا في شرق أوكرانيا.

قيادة ناجحة... لكن بحدود

لهذه المرحلة سماتها الخاصة التي لن تشكّل امتداداً للمرحلة الأولى بما فيها الانتصارات الأوكرانية السهلة نسبياً على القوات الروسية. على العكس من ذلك، حقّقت روسيا بعض التقدم على الأرض. سيطر الروس على جزء من منطقة خاركيف وعلى كامل منطقة خيرسون كما لم يتمّ تسجيل أيّ تقدّم يذكر للقوات الأوكرانية.

على رغم أنّ المعركة لا تزال في بدايتها، يقول البعض إنّ الانسحاب جزء من تكتيك القوات الأوكرانية لتفادي القصف الروسي المكثف، ريثما تصل الأسلحة الغربية ويبدأ الأوكرانيون بالتدرب عليها. لكن ماذا لو كان الأميركيون قد تأخروا فعلاً في إرسال الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا بحيث يصعب أن تقلب نتيجة الميدان في دونباس؟...... هذا الاحتمال وارد بشدّة. لقد كان بايدن متردداً دوماً بدعم أوكرانيا بما تطالب به من أسلحة، حتى أنّ الأميركيين أرادوا في بداية الحرب إجلاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من كييف. بالتالي، لم يكن الأميركيون من فرضوا إيقاع المعركة، بل الأوكرانيون. على رغم كلّ ما كُتب عن نجاح بايدن في قيادة الدعم الغربي لأوكرانيا، ظلّت هذه القيادة متردّدة في الجوانب الأهم من المعركة.

بايدن بين أوكرانيا وأفغانستان

رأى مارك ثيسن في صحيفة "الواشنطن بوست" أنّ مصيرَي أوكرانيا ورئاسته متشابكان. "إذا بدأ الأميركيون برؤية صور قوات روسية في شرق أوكرانيا تتقدم نحو مدن محتلة للمرة الأولى، فلن يصدّق أحد أنّ سبب ذلك عدم تمتع الأوكرانيين بإرادة القتال – أو أنّ الجيش الروسي قوي جداً ببساطة. سيكون ذلك لأنّ بايدن لم يقم بما فيه الكفاية للمساعدة. سيكون ذلك بسبب أشهر من التأخر في توفير الأسلحة الثقيلة التي حثّنا زيلينسكي على تأمينها لأوكرانيا. سيكون ذلك بسبب أنّه لوقت طويل، لم يؤمن بايدن بأنّ الانتصار كان ممكناً – ولم يوفر أسلحة لأوكرانيا ستجعل الانتصار ممكناً".

كما أثبتت مشاهد الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، ليست السياسة الخارجية بلا تأثير في شعبية الرئيس. ربّما كان ذلك صحيحاً إلى حدّ ما في العصر الذي سبق ظهور الإعلام الحديث والبثّ المباشر. انتقل الفارق بين نسبة تأييد الرئيس ونسبة معارضته من الخانة الإيجابية إلى الخانة السلبية بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. ومنذ ذلك الوقت، لم تستعد شعبية بايدن عافيتها بل ظلّت عند أوائل الأربعينات. بطبيعة الحال، سيكون هنالك فوارق بين المشهد الأفغاني ومشهد انتصار روسيا في دونباس لو حصل.

من غير المرجح أن يسقط قتلى أميركيون في أوكرانيا كما حصل في أفغانستان (13 قتيلاً) ولن تبرز صور عشرات الآلاف من اليائسين الذين يحاولون إيجاد مكان لهم على الطائرات الأميركية. مع ذلك، إنّ انتصاراً روسياً في دونباس سيؤذي على الأرجح شعبية بايدن على أبواب انتخابات نصفية غالباً ما تكون قاسية على الحزب الممسك بالرئاسة. وقد لا تنحصر المسألة في الانتصار الروسي المحتمل في دونباس وحسب.

إذ ثمة احتمال كبير في أن تعيد روسيا محاولة التوجه إلى كييف مجدداً كما يتوقع ثيسن، وهو باحث في "معهد المشروع الأميركي". علاوة على ذلك، إنّ انتصاراً روسياً في أوكرانيا، مهما كان حجمه، قد يحفّز موسكو على التوجّه إلى ترانسنيستريا، ممّا يفتح باباً للمزيد من المشاكل بالنسبة إلى واشنطن.

نقلة نوعية

إلى الآن، لا تزال المعركة في دونباس مفتوحة على جميع الاحتمالات وإن كان الاحتمال الأكبر يميل نوعاً ما إلى خرق روسيّ بفعل القرب الجغرافي للمنطقة من روسيا بما يريحها نسبياً من مشاكلها اللوجستية.

ولا شكّ في أنّ بايدن حقّق نقلة نوعية في نظرته إلى المعركة حين طلب أمس من الكونغرس دعماً لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار، من بينها 20 مليار دولار للمساعدات العسكرية وحدها. لتوضيح أهمية هذا الرقم، يمكن التذكير بأنّ كل المساعدات العسكرية التي قدّمتها واشنطن إلى كييف منذ 24 شباط (فبراير) بلغت نحو 3.4 مليارات دولار. قال بايدن: "نحن بحاجة إلى مشروع القانون هذا لدعم أوكرانيا في كفاحها من أجل الحرية... تكلفة هذه المعركة ليست زهيدة، لكنّ الرضوخ للعدوان سيكون أفدح ثمناً".

قد تكون هذه الخطوة متأخرة على رغم أهميتها. ربما دخل بايدن سباقاً مع الزمن افتعله بنفسه من خلال التردد الذي أبداه في السابق وفقاً لثيسن. لكن ما قد يخفّف التوتّر عن واشنطن هو أنّ روسيا نفسها في سباق مع الزمن كي تقدّم شكلاً من أشكال الانتصار في التاسع من أيار (مايو) المقبل، ذكرى تحقيق الانتصار السوفياتي على ألمانيا النازية.

قبل أسبوع، قال الجمهوريّ مات غورمان الذي عمل مساعداً في حملة ميت رومني سنة 2012: "يبدو أكثر فأكثر أنّه يمكن تقسيم رئاسة بايدن بدقة ما بين قبل- أفغانستان وبعد- أفغانستان". لكن مع الاقتراب أكثر من الانتخابات النصفية، سيكون تقسيمها إلى ما قبل - أوكرانيا وما بعد -أوكرانيا أكثر دقّة على الأرجح.

 

تعليقات