محمد شقير ـ الشرق الأوسط
يخشى مصدر سياسي من أن
يواجه لبنان أزمة سياسية مع انتخاب البرلمان الجديد تَلحق الأزمة المعيشية التي
تتدحرج من سيئ إلى أسوأ في غياب الحلول لوقف الانهيار، الذي يؤدي إلى التفلُّت مما
يُرهق القوى الأمنية التي ما زالت على أهبة الاستعداد بإمكانياتها المتواضعة لقطع
الطريق على إغراق البلد في الفوضى.
وتأتي الخشية على الوضع
الأمني، كما يقول المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» من التراكمات التي تحاصر
اللبنانيين في لقمة عيشهم، في حال انسداد الأفق أمام تحقيق انفراج لا يزال بعيد
المنال في المدى المنظور مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي اليوم، الذي
يتلازم مع تحويل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال.
فانتخاب البرلمان
الجديد، حسب المصدر السياسي، يقود حتماً إلى السؤال عمّا إذا كانت الأجواء مواتية
لتمرير انتخاب نائب لرئيس المجلس بأقل الأضرار التي تؤخر انقسام البرلمان في ظل
عدم وجود أكثرية نيابية يمكن أن تتحول إلى أكثريات في ضوء اعتراف أمين عام «حزب
الله» حسن نصر الله بعدم حصول محور الممانعة الذي يرعاه على الغالبية التي ذهبت
لمصلحة خصومه من دون أن يتوحّدوا في جبهة نيابية متراصّة.
وتبدأ معركة إعادة
انتظام المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس جديد للبرلمان، مع توقع التجديد للرئيس
نبيه بري على خلفية أن انتخابه يؤشر، كما يقول المصدر نفسه، إلى إعادة خلط
الأوراق، لأن الانقسام حول التجديد له لن يكون بين أكثرية نيابية وأقلية استناداً
إلى ما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية التي حملت إلى البرلمان تلوينة سياسية
تمثّلت بالمقاعد التي حصدتها القوى التغييرية ومعها عدد من النواب المستقلين
وبينهم من يدور في فلك الحريرية السياسية.
فالرئيس بري عائد إلى
رئاسة البرلمان بعدد أقل من أصوات النواب بخلاف انتخابه في الدورات السابقة التي
سجّلت أرقاماً قياسية، ويمكن أن يصل عددهم إلى عتبة 70 نائباً، في حال قرر النواب
الأعضاء في «التيار الوطني الحر» تأييده إلى جانب تأييده من «اللقاء النيابي
الديمقراطي» الذي لم يتردّد في حسم خياراته لمصلحة حليفه بري من خارج الاصطفاف
السياسي الذي أفرزته الانتخابات النيابية.
وفي هذا السياق، يقول
مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا بديل عن انتخاب بري لرئاسة البرلمان لأن
الثنائي الشيعي يُجمع على ترشيحه وإن ما يُشاع عن إمكانية ترشيح سواه من النواب
الشيعة يأتي في سياق الحرتقات السياسية ولن تكون لها مفاعيل في جلسة الانتخاب التي
يعود لرئيس السن، أي بري، تحديد موعدها.
ويلفت المصدر النيابي
إلى أن رفع السقوف في وجه بري لا يعكس واقع الحال ما دام أنه لا منافس له بين صفوف
النواب الشيعة، ويؤكد أن ممثلي القوى التغييرية ينأون بأنفسهم عن الدخول في
الحرتقات السياسية بعدما تبين أن نقيب المحامين السابق ملحم خلف ليس في وارد
الترشُّح لمنصب نائب رئيس البرلمان.
فالقوى التغييرية، كما
يقول المصدر النيابي، ثابتة على موقفها بعدم انتخاب بري، وبالتالي ليست في وارد
الدخول في مقايضة تقوم على انتخابه في مقابل انتخاب خلف نائباً له، لأنها تعرّض
مصداقيتها لاهتزاز داخل جمهورها الذي اقترع لنوابها على أساس أنهم ضد المنظومة
الحاكمة.
ولذلك تخرج القوى
التغييرية من التموضع بين هذا الفريق النيابي أو ذاك المؤيد لبري الذي لا يعترض
على انتخاب خلف ويترك القرار لإرادة النواب، لكنه لن يدعمه إلا بشرط موافقة القوى
التغييرية على انتخابه رئيساً للبرلمان، وهذا لن يحصل.
وتبقى المنافسة حول منصب
نائب رئيس البرلمان، وتدور حالياً بين النائبين غسان حاصباني (كتلة القوات
اللبنانية) وإلياس بوصعب (كتلة التيار الوطني الحر)، والأخير يحظى بدعم الأقلية في
البرلمان التي يقدّر عدد نوابها بنحو 60 نائباً، فيما يبدو أن الأكثرية ليست
متماسكة ولا تُجمع على تأييد حاصباني.
فترشُّح بوصعب يتطلب من
رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل أن يكون على رأس المؤيدين لعودة بري إلى
رئاسة البرلمان بخلاف ما كان قد أعلنه في السابق بعدم تأييده ركوب الموجة الشعبوية
ولمنع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع وآخرين من المزايدة عليه في الشارع المسيحي.
لكنّ ترشيح بوصعب الذي
يفضّله بري على حاصباني يعود إلى اعتبارات أبرزها أنه ليس بين «الرؤوس الحامية»
داخل «التيار الوطني» ويتناغم مع بري، إضافةً إلى أن تأييده يجب أن يكون مقروناً
بدعم باسيل ونوابه لترشيح بري، وهذا ما سيفعله بملء إرادته أو بطلب من حليفه «حزب
الله»، مع أن «اللقاء الديمقراطي» وإن كان يقف إلى جانب بري فإن موقفه لن ينسحب
على بوصعب ما دامت الحرب السياسية مفتوحة بين الحزب «التقدمي الاشتراكي» وبين
باسيل ولم تنتهِ مع طي صفحة الانتخابات.
وفي المقابل، لا يحبّذ
بري تأييد حاصباني الذي يدخل إلى البرلمان للمرة الأولى لأنه ينتمي إلى كتلة
«القوات» التي أعلنت عدم تأييدها له واشترطت عليه الالتزام بخريطة الطريق التي
حددها جعجع لإدارة الجلسات، إضافةً إلى أن الأخير ليس في وارد تعريض نفسه إلى
مزايدات من الكتائب ومستقلين من النواب المسيحيين الذين كانوا قد أعلنوا عدم
تأييدهم لبري.
ويبقى بري الأقدر على
تدوير الزوايا لما لديه من خبرة في إطفاء الحرائق التي يُتوقع أن تشتعل بين
الموالاة والمعارضة، تُضاف إلى خبرته في إدارة الخلافات الطارئة مع رئيس «الحزب
التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط التي سرعان ما تختفي بقرار مشترك لأن خلافهما لا
يُفسد للودّ قضية ولا يتأثر بالحرب الدائرة بين الأخير و«حزب الله»، لذلك بات فوز
بري مضموناً بأكثرية نيابية تتعدى نصف عدد النواب زائد واحد برافعة جنبلاطية.
في غضون ذلك، استقبل بري
أمس، قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا، بحضور السفيرة
الأميركية في لبنان دوروثي شيا والوفد المرافق. ولم تعلن رئاسة مجلس النواب عن
تفاصيل الزيارة والنقاط التي جرى بحثها، علماً بأنها تسبق استحقاق انتخاب رئيس
مجلس النواب ونائبه، وتتزامن مع الحراك الأميركي على خط الوساطة بين لبنان
وإسرائيل في المفاوضات التي تجري لترسيم الحدود البحرية، بما يمكّن لبنان من
استخراج الطاقة من مياهه الإقليمية.
تعليقات
إرسال تعليق