غياب السلطة يشرع فلتان الأسعار ويبدد وقف انهيار الليرة اللبنانية... مؤشر الغلاء يستمر بتحطيم أرقامه القياسية شهرياً

علي زين الدين ـ الشرق الاوسط

سجل مؤشر تضخم الأسعار في لبنان زيادة جديدة بلغت نسبتها 211.43 في المائة، لترتفع الحصيلة التراكمية للغلاء على أساس سنوي إلى 1178 نقطة مئوية مع نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، مقارنة بمستوى بلغ 378.25 نقطة في الشهر عينه من العام الماضي، ما يشير إلى توسع الاختلال في المعالجات الطارئة بين محاولات البنك المركزي المستمرة للحد من انهيار سعر صرف الليرة، وعجز الوزارات والإدارات العامة المختصة عن كبح التفلت الصريح في منظومة الاستهلاك.

ووفق رصد تابعته «الشرق الأوسط» مع مديري مخازن وتجار في الأسواق، تبين أن قاعدة تسعير أغلب المواد الغذائية والسلع تحافظ على المستويات الأعلى للمبادلات النقدية قريباً من عتبة 40 ألف ليرة لكل دولار، معززة أساساً بذريعة ارتفاع فواتير التوريد من المستوردين واستمرار ارتفاع أسعار النقل والتزود بالكهرباء من المولدات الخاصة ربطاً بالارتفاعات المطردة في أسعار المحروقات، بالإضافة إلى ضخ زيادات على أجور العاملين وبدلات النقل وسواها من أكلاف إدارية ولوجيستية.

في المقابل، يرد المستوردون ارتفاع فواتيرهم إلى تأثيرات التضخم العالمي الذي يشمل معظم السلع والمواد الأولية وتقلص المعروض في أسواقها الأساسية لقاء زيادات كبيرة في حجم الطلب، والصعوبات المتزايدة في سلاسل التوريد والإمداد، فضلاً عن الارتفاعات المتزايدة في أسعار النقل والطاقة والنفط العالمية، التي تضيف أكلافاً وازنة على منظومات أسعار المستوردات.

وحدهم المستهلكون لا يملكون أجوبة شافية. فهم، حسب استطلاع ميداني، يكتفون بالقليل من تأمين احتياجاتهم اليومية ومعظمهم يعجز تماماً عن اكتشاف «المعادلة» النموذجية لبلوغ التكافؤ بين قدرات المداخيل المتآكلة بالليرة والحد المعيشي الأدنى المتفاقم شهراً بعد شهر، وذلك وسط شبه إجماع، وريثما تتغير الأحوال المزرية، على مقولة «لا حياة ولا حياء لسلطة نناديها، بل نحن بلغنا مرحلة تدبير معظم الخدمات العامة ذاتياً، وكل حسب إمكاناته، من كهرباء وماء وتعليم وصحة واستشفاء وسواها، ونتهيأ للتخلي أو تقليص الاستفادة عن الاتصالات والإنترنت التي ستزيد بمتوسطات 3 إلى 4 أضعاف كلفتها الحالية بدءاً من الشهر المقبل».

ويلاحظ أن تقاعس الأجهزة الرقابية وضآلة الإمكانات البشرية والفنية في المؤسسات والإدارات الخاصة بتعقب نسب الأرباح التجارية وحماية المستهلك، يساهم في تبديد الأثر المرتجى استهلاكياً من ضخ الدولار في السوق عبر منصة «صيرفة» التي يديرها مصرف لبنان، وبمتوسطات تتعدى 30 مليوناً يومياً، وبسعر يقارب 25 ألف ليرة لكل دولار، علماً بأن بإمكان المؤسسات المعنية، وهو ما تتلكأ عن متابعته، الحصول على لوائح اسمية للمستوردين والتجار المستفيدين من عمليات المنصة وإلزامهم بتحويل فوارق سعر الدولار لصالح المستهلكين.

ولم تتردد المؤسسات الدولية في آخر تقاريرها، في تحميل الطبقة السياسية مسؤولية التدهور المعيشي بكامله بما يشبه الانحدار الشديد في سعر صرف العملة الوطنية، والتسبب في دخول معدلات التضخم في خانة المئات، حسبما أفاد «البنك الدولي» أخيراً.

وقد أدّت هذه الأزمات إلى تفاقم المصاعب الاجتماعية التي أثّرت على الأسر الفقيرة والمحتاجة أكثر من غيرها، وزيادة الهوة وعدم المساواة بين الفئات المجتمعية. وفي ظل التقاعس السياسي، أحدثت الأزمات، التي لم يتم إيجاد الحلول لها، أضراراً طويلة الأمد في الاقتصاد والمجتمع في لبنان.

فالخدمات العامة الأساسية تتهاوى، ومعدلات البطالة تزداد بشكل حاد، ورأس المال البشري يتعرض لاستنزاف شديد. ويعاني القطاع الخاص من معوقات جسيمة من جراء شلل النظام المالي. وقد أفضى انخفاض إنتاجية الشركات ومعدلات توليد الإيرادات إلى انتشار تسريح العمالة وحالات الإفلاس.

ووفق خلاصات أفصح عنها أوليفييه دي شوتر، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فإن 4 من كل 5 أشخاص مقيمين هم في حال الفقر، وأن «أكثر من نصف العائلات أفادوا بأن أطفالهم اضطروا إلى تخطي وجبات الطعام، وأن مئات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة».

وأشار في تقريره الصادر أوائل الشهر الحالي، إلى أن «الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان هي المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان».

بالعودة إلى أحدث معطيات الغلاء، فقد أظهرت الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي في لبنان ارتفاعاً شهرياً بنسبة 7.85 في المائة في مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان خلال شهر مايو، مقارنة بنسبة 7.1 في المائة في الشهر الذي سبقه. وبذلك بلغ متوسط الزيادة السنوية للتضخم 216 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

ويأتي الارتفاع السنوي في المؤشر نتيجة تسجيل جميع مكوناته زيادة في أسعارها، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 363.78 في المائة (تثقيل بنسبة 20 في المائة)، ورافقها زيادة في أسعار النقل بنسبة 515.36 في المائة (تثقيل بنسبة 13.1 في المائة)، وزيادة في أسعار المسكن والماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 445.18 في المائة (تثقيل بنسبة 11.8 في المائة)، وارتفاع أسعار الألبسة والأحذية بنسبة بلغت 184.32 في المائة (تثقيل بنسبة 5.2 في المائة)، دون استثناء الزيادة غير المسبوقة في أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 278.54 في المائة (تثقيل بنسبة 2.8 في المائة).

 

 

تعليقات