ميقاتي قدّم «أسرع تشكيلة»... عون تفاجأ فكيف سيردّ؟.. تبديلاتٌ على حكومة تصريف الأعمال وأبرز «الألغام» انتزاع «الطاقة» من التيار الحر

وسام أبوحرفوش وليندا عازار ـ الراي

فَعَلَها الرئيسُ المكلف نجيب ميقاتي وباغَتَ رئيس الجمهورية ميشال عون وغالبية القوى بتقديمه ما قد يكون أسرع تشكيلةٍ تعكس استعجالَ مَن وضعها «بخط يده» كشْفَ أوراق كل الأطراف المعنيين بالتأليف وكسْبِ وقتٍ كانت ستملأه المناورات والكمائن السياسية في محاولة للتعمية على «مكمن الداء» الحقيقي. فبعد 5 أيام من تكليفه، ونحو 18 ساعة على انتهاء الاستشارات غير المُلْزمة مع الكتل النيابية التي استمرّت الاثنين والثلاثاء، توجّه ميقاتي إلى قصر بعبدا الذي اعتقد أن الرئيس المكلف يزوره «لاطلاع الرئيس عون على نتائج الاستشارات النيابية» وفق ما جاء في تغريدة على صفحة الرئاسة على «تويتر» بعيد وصول ميقاتي، ليتبيّن أن الأخير حَضَرَ وفي جعبته مغلّف أبيض ضمّنه «التشكيلة التي أراها مُناسِبة في هذه الظروف» التي سلّمها إلى عون الذي «طلب أن يدرسها ويعود إليّ بها».

والمعلومات التي توافرتْ حول التشكيلة التي قدّمها ميقاتي أنها قديمة - جديدة أي ترتكز على حكومة الـ 24 التي وُلدت في أيلول / سبتمبر الماضي برئاسته وحافظت على التوازنات نفسها تقريباً مع مراعاةٍ لمتغيرات فرضتْها الانتخابات في ما خص التمثيل الدرزي الذي لم يعُد يتيح تمثيل النائب السابق طلال ارسلان بواحد من وزيريْ هذا المكوّن بعدما حقق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تقدُّماً بارزاً في استحقاق 15 أيار / مايو الماضي، وأيضاً التمثيل السني في ضوء دخول «تنويعة» جديدة عليه ومطالبة تكتل نواب شماليين (بعضهم من قدامى المستقبل) بالتمثّل لقاء منْح الثقة للحكومة.

كما راعت التشكيلة قرار الرئيس المكلف بإخراج وزارة الطاقة «سياسياً» من كنف «التيار الوطني الحر» وإجراء «مبادلة» طائفية بينها (كانت لأرثوذكسي) وبين وزارة الاقتصاد (كانت لسنّي)، من دون إجراء مداورة في الحقائب السيادية التي حافظت على توزيعها الطائفي ولا سيما وزارة المال التي رسم الثنائي الشيعي «حزب الله» الرئيس نبيه بري خطاً أحمر حولها بـ«ترقيتها» إلى مستوى الحقيبة «الميثاقية».

وبحسب المعلومات، فإن التبديلات التي طرأت على حكومة تصريف الأعمال الحالية وفق التشكيلة التي قدّمها ميقاتي شملت 5 حقائب، وسط تسريب للتشكيلة كاملة أظهرت أن وزير الطاقة وليد فياض استُبدل بوليد سنو، ووزير الاقتصاد أمين سلام بوزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان (من حصة الطاشناق) مقابل اختيار الدرزي وليد عساف لحقيبة الصناعة، وأن وزير المهجرين عصام شرف الدين (من حصة النائب السابق ارسلان) حل مكانه سجيع عطية (أرثوذكسي عن النواب الشماليين)، وأن التبديل شمل أيضاً اسم وزير المال (هو حالياً يوسف خليل لكن بقيت الحقيبة للثنائي الشيعي عبر النائب السابق ياسين جابر)، في حين بقي الوزراء الآخرون وبينهم وزير الداخلية بسام مولوي، ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب بعدما كان سُرّب أنه يريد أن «يرتاح».

وبعيد إيداع ميقاتي تشكيلته، قال من القصر الجمهوري: «في ضوء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجريتها، وجدتُ ان الخيارات ضيقة جداً وأن الوقت مهم جداً. جوجلتُ الأفكار التي طُرحت خلال الاستشارات، وزرتُ فخامة الرئيس وتشرفت بلقائه هذا الصباح وسلّمته تشكيلة الحكومة التي أراها مناسبة في هذه الظروف». وفي تصريح لقناة «الجديد» أعلن الرئيس المكلّف أنّ «قرار تقديم التشكيلة اتخذته ليلاً (الثلاثاء)، وبخط يدي بعدما تَعَفَّفَ الجميع عن المشاركة، وأصبحتْ الخيارات ضيقة».

وقال: «ما قدّمتُه للرئيس عون هو تبديل وزاري،»وما الكل«، ولم يكن هناك تواصل مع رئيس(التيار الوطني الحر)النائب جبران باسيل سوى خلال الاستشارات وبأمور عامة». وإذا كان ميقاتي بدا مُنْسَجِماً في ما قدّمه مع ما كان أعلنه قبيل تكليفه لجهة أنه يؤيد الإبقاء على «الهيكل الأساسي» لحكومته التي تحوّلت إلى تصريف الأعمال قبل أكثر من شهر مع تعديلات محدودة لضمان إكمال ما بدأ في الأشهر الأخيرة على صعيد توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي وإنجاز الإجراءات المسبقة وقوانينها وصولاً إلى الاتفاق النهائي، ومعالجة ملف الكهرباء «الحارق» وملاقاة المرحلة المفصلية من الترسيم البحري مع اسرائيل، فإن الأكيد أن رئيس الجمهورية وفريقه لم يتلقفا بارتياح إطلاقاً «حرق المراحل» من الرئيس المكلف، وسط خشية من أن يؤدي «تفاوُت السرعات» بين «طبّاخي» الحكومة إلى «حرق» إمكان ولادتها وإغراقها في لعبة المناكفات والنكايات المفتوحة على حسابات انتخابات الرئاسة (تبدأ مهلتها الدستورية مطلع سبتمبر وحتى نهاية أكتوبر).

وإذ جاء أول ردّ فعل من «التيار الحر» ضمناً عبر هجوم من مناصرين له على ميقاتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، برزت تسريباتٌ عن أن الرئيس المكلف كان يضع التشكيلة «في جيْبه» منذ ما قبل تسميته وأنه أجرى استشارات شكليةً وأنه يريد فرْض تشكيلة «أمر واقع» على عون عبر اعتماد سلوكٍ جديد في «ترسيم صلاحيات» كل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في التأليف، وهو ما اعتبر خصوم العهد أنه يعكس رفض ميقاتي أن يتم جرّه إلى أي «حدائق خلفية» لتشكيلٍ يريده محصوراً بما ينص عليه الدستور، ولا سيما أن المرحلة القصيرة الفاصلة عن دخول البلاد الزمن الرئاسي لا تسمح بتكرار تجارب «لي أذرع» ومقايضاتٍ فيما لبنان أحوج ما يمكن لقفل ما أمكن من «أبواب أعاصير» تتجمّع في سمائه في المال والسياسة وكل شيء. ويجري رصْدٌ في بيروت لمتى سيُبْلِغ عون إلى ميقاتي ردّه على التشكيلة التي قدّمها والتي كان البارز في توقيتها أنه أراد منها قطْع الطريق على أي دخول لباسيل على هذا الملف، حتى أن الرئيس المكلف تعمَّد استباق القرار الذي كان رئيس «التيار الحر» أعلن أنه سيتخذه في ما خص المشاركة في الحكومة أو عدمها بعد اجتماعٍ لتكتله.

وهذان البُعدان الشكليان لا يقلان أهمية عن جوهر التشكيلة التي لم تأخذ بما سبق لعون أن عبّر عنه لجهة رغبته في حكومة سياسية، بعد نعي باسيل حكومة التكنوقراط التي قال عنها «باي باي»، والتي لم تعتمد أيضاً على «تطعيمٍ» بسياسيين، باعتبار أنه من شأن ذلك أن يصبغها بطابع «اللون الواحد» وما سيتركه من تشظيات على صعيد مقاربة الخارج للواقع اللبناني، وسط انطباعٍ بأن حكومة الـ 24 معدَّلة هي «أفضل الممكن» في ضوء عدم القدرة على توفير صيغة لحكومة «متوازنة» سياسياً وتُراعي نتائج الانتخابات النيابية خصوصاً أن الغالبية الساحقة من القوى المعارضة لائتلاف «حزب الله» والتيار الحر وحلفائهما عبّرت عن رفْضها المشاركة في الحكومة، ما يجعل صيغة الوزراء الاختصاصيين الذين يحظون بغطاء سياسي وبتوازناتٍ «مموّهة» الخيار شبه الوحيد الذي قد ينال ثقةً شائكة في البرلمان.

وترى أوساط مطلعة أن قفل ميقاتي الباب أمام البحث في شكل الحكومة وطبيعتها، يشكّل في ذاته «لغماً»، إلى جانب انتزاع الطاقة من «التيار الحر» وهو ما كان باسيل قابله بإحداث ما يشبه «توازن الردع» عبر إثارة موضوع المداورة في الحقائب ولاسيما السيادية وعدم تطويبها لطوائف أو مذاهب أو أحزاب، في غمزٍ رئيسي من وزارتيْ المال والداخلية.

وتعتبر الأوساط أنه إذا كان عون سيعترض على التشكيلة في الشكل والمضمون بما ينسفها، وسيتمسّك بالطاقة، فهذا سيعني أن ميقاتي، المُمْسِك بورقة تصريف الأعمال كما بالتكليف، سيكون أمام أكثر من نسخة حكومية يقدّمها في موازاة إشاراتٍ إلى تفعيله عمل الحكومة المستقيلة لزوم التصدي للتحديات الهائلة التي تواجه لبنان وشعبه.

وكان موقع «لبنان 24» (المحسوب على الرئيس المكلف) نقل عن ميقاتي تمنيه «أن تكون عملية التأليف ميسّرة وأن يدرك الجميع خطورة الوضع السائد والتحديات الكبيرة التي تواجه الوطن»، مشدداً على «أنه منفتح على البحث والنقاش في مجمل الاقتراحات، لكنه لن يقبل بأي محاولة لاستدراجه الى حلبة الابتزاز أو المقايضة أو التسويات».

ويجري هذا الحِراك الحكومي عشية الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، الذي سيعقد السبت في بيروت باعتبار لبنان يترأس الدورة الحالية لمجلس وزراء الخارجية العرب. وإذ لم يُعرف إذا كان كل وزراء الخارجية العرب سيحضرون شخصياً، ولا سيما وزراء دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تقارير أشارت إلى أن دوائر الخارجية اللبنانية تبلغت مشاركة عدد كبير من الوزراء وأن العمل جارٍ بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة العربية على إعداد جدول أعمال الاجتماع الذي يأتي تحضيراً لقمة الجزائر العربية، المقررة في اكتوبر المقبل، وأن ميقاتي سيلتقي المشاركين يوم غد.

تعليقات