أزمة الحكومة: تعديل للأسماء أو للحقائب؟

كتبت صحيفة "الاخبار":

لم يكُن سهلاً على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تجرّع الكأس المُرّة بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، وهو ما بدا جلياً في موقف باسيل الذي توجّه به إلى الحلفاء الذين تجاهلوا ترشيح اسم آخر، ما قد يؤدي إلى استخدام كل الوسائل لتقوية موقعه التفاوضي في مشاورات التأليف، وأبرز ورقة لديه هي توقيع الرئيس عون، الذي تقول مصادر مطّلعة إنه «لن يُعطي لميقاتي حكومة لا يحجز فيها باسيل حصة وازنة». ...

في موازاة هذه القراءة، رأت المصادر أن كلام باسيل، ثم تصريحات ميقاتي عن تفعيل حكومة تصريف الأعمال، تعبّر عن تسليم بوجود أزمة حقيقية بينَ الطرفين تجعلهما مقتنعين بعدم إمكانية تأليف حكومة خلال فترة قريبة، مُشيرة إلى أن مسار التأليف سيكون مشدوداً بحبال متفرقة، كل منها يُمسِك بها لجهته وتكريس نفوذه الحكومي، وستكون المواجهة الأساسية والظاهرة بينَ عون وفريقه من جهة، وميقاتي من جهة أخرى.

لكن الجميع يدرك أن المشكلة الحقيقية تكمن في عودة الخلافات القوية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس عون وباسيل وتشمل الحكومة وأموراً أخرى. وتبيّن أن وساطة قامت بها مرجعية رسمية لم تحقّق نجاحاً لترتيب تواصل مباشر بين الرئيس ميقاتي وباسيل، وأن انقطاع العلاقات مستمر بين الجانبين قبل التكليف وبعده. وأن موقف عون وباسيل من فكرة التعديل الوزاري مرتبط بالموقف من ضرورة أن تكون الحكومة مكتملة الشرعية من خلال منحها ثقة مجلس النواب، وذلك لمنع بروز مشكلة في حالة عدم تمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وبينما تبدي غالبية القوى خشية من هذا الأمر، تقول مصادر متصلة بالرئيسين بري وميقاتي إنهما يناقشان اجتهاداً دستورياً يقول بأنه في حال عدم التمكن من تشكيل حكومة جديدة، وحصل أن تعثر انتخاب رئاسي في الموعد المقرر دستورياً، فإن هذه الحكومة تعدّ حكومة كاملة الصلاحيات لعدم وجود بديل منها، وبالتالي يمكنها أن تدير البلاد وتمسك بصلاحيات رئاسة الجمهورية. وهو أمر يرفضه خبراء كثر في الدستور ويرونه «فصلاً غير مسبوق في التفكير الهادف الى عدم تشكيل حكومة جديدة لأنه لا يمكن الوصول الى تسوية واضحة مع فريق الرئيس عون» على ما قال أحد المعنيين.

امتحان آخر يخرج منه نوّاب التغيير منهَكين ومشتّتين

وفيما تبدأ استشارات الرئيس المكلف مع الكتل النيابية الثلاثاء المُقبِل، كشفت مصادر بارزة أنه «ستسبقها مشاورات جانبية تبدأ غداً الأحد للبحث في عدد من الخيارات، وبما خصّ فكرة التعديل الوزاري، قالت المصادر إن الخلاف الفعلي قائم حالياً حول ما إذا كان الرئيس المكلف يريد تغييراً واسعاً يشمل الأسماء والحقائب، بينما قال الرئيس بري لمتّصلين به، إنه يفهم التعديل الوزاري على أنه استبدال لكل فريق ممثله بآخر إذا وجد حاجة الى ذلك، شرط عدم المس بالتوزيع القائم للحقائب طائفياً ومذهبياً.

بينما يظهر من المناقشات عدم ممانعة التيار الوطني الحر حصول تعديل على الحقائب أيضاً بما يمنع حصر حقيبة بطائفة دون أخرى، في إشارة مباشرة الى وزارة المالية. فيما لم يعلن الرئيس ميقاتي تصوّره النهائي لأي تعديل يريده.

ومع رفض القوى الأخرى التي لم تسمّ ميقاتي المشاركة في حكومة وحدة وطنية، وتحديداً «القوات» اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وبعض النواب المُستقلّين الذين أعلنوا عن ضرورة مواجهة أيّ حكومة سيشكلها ميقاتي، كما صرّح النائب عبد الرحمن البزري. فإن «بلبلة» تسود العلاقة بين ميقاتي وجنبلاط، ويبدو أن هناك تفسيرات إضافية؛ من بينها أن النائب تيمور جنبلاط يرفض المشاركة نهائياً في أي حكومة، وأن إصراره على تسمية نواف سلام لم يكن مرتبطاً فقط بالتناغم مع جهات خارجية بقدر ما كان بوابة للخروج من حكومة ميقاتي.

وتقول المصادر إن جنبلاط الابن أثار مسألة توقف ممثلي الاشتراكي في حكومة تصريف الأعمال عن القيام بأعمالهم سريعاً جداً. وهو أمر يظهر استراتيجية جديدة لا أحد يحسم ما إذا كان بمقدور جنبلاط الابن فرضها بخلاف رغبة أبيه.

أما نواب «التغيير» الذين خرجوا من امتحان الاستشارات النيابية المُلزمة منهكين مشتّتين، ما جعل توحّدهم في تكتل أو إطار نيابي موحد على المحك، فقد ظهر عليهم التعب السياسي الذي فرض استراحة «مدتها 24 ساعة لأخذ النفَس» كما قالت أوساطهم.

وهذا التشتّت يعود إلى «سوء إدارة الحوارات الداخلية في ما بينهم»، فضلاً عن «الفشل في الاتفاق على آلية لاتخاذ القرارات، بعدما تحوّل النواب إلى رهائن لمواقفهم الشعبوية». لذلك، وفي ضوء النتائج المترتّبة أخيراً، تقرّر عقد خلوة بين الزملاء الـ 13. وفيما بقي المكان والزمان متروكين إلى حينه، علمت «الأخبار» أن الخلوة ستكون عبارة عن «مشروع ورشة نيابية - إدارية»، ومن بين المواضيع المطروحة على جدول أعمالها، إجراء هيكلة تنظيمية يتم خلالها توزيع المهام بين النواب، وإعادة الاعتبار إلى أمانة السر والاتفاق على آلية تصويت داخل الكتلة، فيما ترك موضوع رئاسة الكتلة للنقاش الجانبي، وسط معلومات تُشير إلى تباين في وجهات النظر بين فريقين: الأول يطلب اعتماد آلية لانتخاب الرئيس كل 6 أشهر، فيما الفريق الثاني يطرح فكرة التناوب على رئاسة الكتلة شهرياً.

على صعيد آخر، وبعد انتهاء استراحة الـ 24 سيعاود النواب الاجتماع غروب الأحد (مبدئياً) من أجل بحث التوجهات يوم الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يستضيفها مجلس النواب مطلع الأسبوع.

وفي هذا المجال، علمت «الأخبار» من مصادر النواب أن التوجّه هو إبلاغ رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عدم الرغبة في المشاركة بالحكومة أو تسمية أيّ ممثل عنهم «لأنها عبارة عن حكومة محاصصة سياسية تمثل أحزاب المنظومة».

وقال أحد هؤلاء النواب إن «جلسة الاثنين مع ميقاتي ستحدد بوصلة التعامل معه، ولو أن الانطباع بات واضحاً منذ الآن، مؤكداً أن «قرار رفض المشاركة بالحكومة الميقاتية سينسحب لاحقاً على قرار «حجب الثقة عنها» في حال تشكّلها.

تعليقات