كتبت صحيفة "نداء الوطن"...
لا لقاء مرتقباً قريباً بين رئيس الجمهورية ميشال عون
والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي. التأليف يراوح مكانه في الوقت الضائع،
ومع اقتراب الدخول في التوقيت الدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية اعتباراً من أول
أيلول، أي بعد 43 يوماً قد لا يطلب خلالها الرئيس المكلف موعداً لزيارة القصر وقد لا
يحدد له الرئيس عون موعداً في حال استمرار انقطاع التواصل بين الطرفين.
يحصل كل ذلك بينما دخلت المنطقة مرحلة ما بعد قمة جدة
التي أكدت في ختام أعمالها ثلاثة عناوين لبنانية: بسط سيادة الدولة على كامل
أراضيها ودعم الجيش اللبناني والقوات الشرعية وانتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل
الدستورية.
وهي العناوين ذاتها التي نصّ عليها القرار 1559 الذي صدر
في 2 أيلول 2004 بالإضافة إلى بند سحب الجيش السوري من لبنان. يومها اعتبر
"حزب الله" والنظام السوري أن هذا القرار لا يساوي إلا الحبر الذي كتب
فيه. فجرى التمديد للرئيس أميل لحود وتشكيل حكومة الرئيس عمر كرامي وإجبار الرئيس
رفيق الحريري على الإعتذار. وصدر القرار باغتياله ونفذ في 14 شباط 2005، الأمر
الذي فجر ثورة 14 آذار وفرض خروج الجيش السوري من لبنان.
ما بعد قمة جدة يعني في شقه اللبناني أن ثمة تحولاً
كبيراً يجب أن يحاكي ما حصل في العام 2004. وبالتالي يجب أن يكون مفهوماً أن
محاولة "حزب الله" فرض انتخاب أي رئيس للجمهورية من قوى 8 آذار، كرئيس
تيار "المردة" سليمان فرنجية أو رئيس "التيار الوطني الحر"
جبران باسيل يساوي من حيث الخطيئة السياسية التمديد للرئيس الاسبق أميل لحود،
وستكون له بالتالي المفاعيل نفسها وانعكاسات مماثلة على صعيد القرار الدولي
المدعَّم بالقرار 1701، الذي يدعو إلى بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها
بمساعدة القوات الدولية "اليونيفيل".
في ظل هذا الوضع الجديد يبدو أن موضوع تشكيل حكومة جديدة
لم يعد من الأولويات وكأن المسألة طويت بانتظار تقطيع الوقت مما تبقى من ولاية
رئيس الجمهورية ميشال عون، وبانتظار بت مسألة انتخاب خلف له يمكنه أن ينقذ لبنان
من الهاوية التي دخل فيها وتنطبق عليه مواصفات أطلقها البطريرك بشارة الراعي ولا
يزال يكررها، منذ دعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى استعادة قرار الشرعية وتحريرها
من قبضة "حزب الله" في قداس مار شربل في بقاعكفرا العام الماضي، وكررها
في أكثر من مناسبة هذا العام، رئيس لا تنطبق عليه المواصفات التي يريدها "حزب
الله".
لأن الحزب الذي تمكن من التحكم بفرض رئيس مجلس النواب
وتشكيل الحكومات السابقة لن يمكنه أن يفرض انتخاب رئيس الجمهورية الذي يريده، لأن
هذا القرار لا يمكن أن يخرج من دائرة بكركي والقوى المسيحية الفاعلة التي حققت
الأكثرية في الإنتخابات النيابية الأخيرة، ومن دائرة القرار الدولي والعربي الذي
لا يمكن أن يقبل برئيس من خط الممانعة.
لذلك يبدو السجال المتواصل بين بعبدا والسراي وكأنه حوار
طرشان لا يقدم ولا يؤخر في اللعبة الكبيرة.
أمس عاد رئيس الحكومة المكلف من عطلته التي امتدت نحو
ثمانية أيام ولم يظهر أن في جدول أعماله طلب موعد جديد من الرئيس عون. ليس لأنه لا
يريد موعداً بل لأنه يعتبر أن طلب الموعد حصل ولا يزال ينتظر الجواب وأن يحدد له
القصر هذا الموعد.
فمن جانب الرئيس ميقاتي ثمة تأكيد أنه فعل ما عليه وأنه
قدّم إلى رئيس الجمهورية في لقائه الثاني معه صيغة معدّلة من دون الإفصاح عن هذا
التعديل، وإن كان البعض يعتقد أنه يتعلق باسم الوزير المقترح تولي حقيبة الطاقة
التي يتمسك الرئيس المكلف بألا تعود إلى من يمثل "التيار الوطني الحر".
بينما في القصر الجمهوري يعتبرون أن الرئيس طلب من ميقاتي
أن يعدل في التشكيلة وفق أكثر من معيار وطالما أن ميقاتي لم يتصل ليبلغ عن هذه
التعديلات فلماذا يتم تحديد موعد له؟
أكثر من ذلك. ما سربه موقع "التيار الوطني
الحر" عن ثلاث فِكَر اقترحها عون على الرئيس ميقاتي ليدخلها على مسودته لم
يتم تأكيده من أوساط بعبدا خارج موقع التيار ولا من أوساط الرئيس المكلف. هذه
الفِكَر هي:
1 - أن يتقدّم ميقاتي بمسودة هي نسخة طبق الأصل عن حكومة
تصريف الأعمال، فيوقّعها رئيس الجمهورية وتصدر مراسيمها وتمثل بأسرع وقت أمام
المجلس النيابي بغية نيل الثقة لاطلاق العمل الحكومي الجاد.
2 - أن يعيد النظر في المسودة الحكومية، لجهة الأسماء
الجديدة وتوزيع الوزارات والمداورة العادلة وفق معايير واضحة.
3 - أن تُبقي المسودة الحكومية على الصيغة التي وضعها
ميقاتي، على أن تُطعّم بـ 6 وزراء دولة، فتولد حكومة تكنو- سياسية قادرة على
مواكبة المرحلة المقبلة والتحديات المنتظرة.
هذه البنود الأفكار لم تغب عن بال التيار منذ بدأت عملية
تسمية الرئيس المكلف وكأنها بحسب مصادر متابعة تعني أن رئيسه جبران باسيل يحاول جس
النبض حول هذه الخيارات، على أساس أن ما يناسبه هو بقاء هذه الحكومة لأنه لن يتمكن
من الحصول على الحصة التي له فيها في أي حكومة جديدة، ثم أنها بصيغة تصريف الأعمال
قد تخدم ما يجري الترويج له حول عدم دستورية تسلمها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال
تعذر انتخاب خلف له، وبالتالي تطبيق نظرية بقائه في القصر.
وفي المحصلة تبدو الصورة باختصار: عون لن يحدد موعداً
لميقاتي. ميقاتي لن يطلب موعداً. لا مسودات لتشكيلات حكومية. ميقاتي سيعمل على
تفعيل الحكومة وطوال هذا الأسبوع سيركز على القضايا المعيشية والحياتية وطريقة حل
إضراب القطاع العام.
تعليقات
إرسال تعليق