بعد المئة يوم الأخيرة من عهد عون... هل يَحْكم لبنان الفراغ الشامل؟... سيناريوهات دستورية بـ «مَخالب سياسية»
وسام أبو حرفوش وليندا عازار ـ الراي
دَخَلَ عهد الرئيس ميشال
عون، المئة يوم الأخيرة على وقع تَحوُّل الفراغ وتَعَذُّر انتخابِ رئيس جديد
للجمهورية «المرشح الأوّل» الذي يُرجَّح حتى الساعة أن يتكرّر معه سيناريوا 2007 و
2014 اللذان انتهت معهما ولايتا الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان على التوالي إلى
شغورٍ امتدّت نسختُه الأولى نحو 6 أشهر والثانية لـ 30 شهراً.
ويتميّز فراغ 2022
المحتمل بسابقةٍ قد يشكلها انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة تصريف أعمال
في ظل الاستعصاء المتمادي في تأليف حكومة جديدة وسط «الحرب الباردة» التي ارتسمت
بين عون والرئيس نجيب ميقاتي الذي يمكن أن يكون بعد 31 اكتوبر المقبل، أول شخصية
تعتمر 3 قبعات رئاسية معاً، كرئيس حكومة مستقيلة ورئيسٍ مكلّف ورئيس «حكومة
رئاسية».
ومع العدّ العكسي
لمغادرةِ عون قصر بعبدا، يعلو صوت النقاش الأقرب الى الجدل السياسي والدستوري حول
جواز تولي حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها ميقاتي مهمات رئيس الجمهورية
و«أهليتها» لذلك، في ظل رسْم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل معادلة «يجب
ألا يحصل فراغ، وحكومةٌ مستقيلة ليست مؤهّلة لتسلُّم صلاحيات الرئاسة بحال حدوث
شغور»، ومع تلويحٍ ضمني بخيارات «موجعة» لقطْع الطريق على مثل هذا الأمر، على غرار
استقالة الوزراء المسيحيين الذين «يمون» عليهم عون من تصريف الأعمال وتالياً تفجير
الحكومة المستقيلة بـ «عبوة» الميثاقية.
وتكاد ضوضاء الأخذ
والردّ الدستوري حول كيفية «إدارة» الفراغ الرئاسي ومَن يتولى «دفّته»، أن تحجب
الضوء عن الاستحقاق في ذاته وسط انحسار بورصة المرشّحين المعلَنين من دون إعلانٍ
رسمي، بين زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يَعتبر أنه «من المطروحين»
للرئاسة التي يحتاج وصوله إليها، إضافة للضوء الأخضر من «حزب الله»، لتزكيةٍ من
باسيل الذي لم يجِد بعد «سبباً لتأييد فرنجية» ووصَف نفسه بأنه «مرشح طبيعي» وإذا
لم يأتِ رئيساً فسيكون «صانع الرئيس» بـ «تمثيلٍ (مسيحي) ننقله إليه»، إلى جانب
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي «ثبّت حقّه بالترشح» ولكنه يسعى
لتقاطعاتٍ بين القوى المعارِضة لائتلاف «حزب الله» - التيار الحر تتيح ترشيح
وإيصال رئيس يمثل «المشروع السيادي».
والواقع أن النقاش قديم
في لبنان حول حدود دور حكومات تصريف الأعمال، ليس فقط في مرحلة الشغور الرئاسي
إنما كذلك خلال وجود رئيس للجمهورية، الأمر الذي حصل مع غالبية الحكومات المستقيلة
وآخرها التي ترأسها حسان دياب حين دار سجال حول صلاحيات الحكومة التي كانت استقالت
على وهج انفجار مرفأ بيروت (4 اغسطس 2020) في مرحلةٍ حفلتْ بالأحداث خصوصاً بعد
تعاميم أصدرها دياب وطلب فيها من الوزراء حصْر ممارستهم لدورهم الوزاري بالنطاق
الضيّق لتصريف الأعمال.
لكن النقاش اليوم يأخذ
اتجاهاً آخر، لأن الأمر لا يتعلق بأدوار وزراء لتسيير الأمور الحياتية العادية، بل
بدور حكومةٍ مستقيلة (اعتُبرت مستقيلة حُكْماً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة)
في تسلّم مهمات رئيس الجمهورية.
علماً أن ثمة دستوريين
ينطلقون في اعتبار أن هذا الأمر لا يجوز من المادة 50 من الدستور التي تتحدث عن أن
رئيس الجمهورية هو الذي يقسم «يمين الخلاص للأمة والدستور» وهذا لا يُعطى لحكومة
تصريف أعمال.
لكن الواقع السياسي
الحالي بين احتمالات الفراغ وعدم توافر الأسباب الموجبة لتشكيل حكومة جديدة، جعل
الدستوريين يلجأون الى قراءة الدستور من زاوية الاجتهادات لتبرير حق الحكومة
المستقيلة في تولي صلاحيات رئاسة الجمهورية أو نقض هذا الرأي كلياً. عملياً، لم
يكن أمر حكومة تصريف الأعمال وتوليها مهمات رئيس الجمهورية مطروحاً قبل اتفاق
الطائف والدستور الذي نتج عنه عام 1990،
فرئيس الجمهورية كان هو
الذي «يعيّن الوزراء ويسمي منهم رئيساً» كما حصل مع الرئيس بشارة الخوري الذي عيّن
حكومة اللواء فؤاد شهاب عند تقديم استقالته، وكذلك فعل الرئيس أمين الجميل حين
عيّن العماد ميشال عون رئيساً لحكومة انتقالية.
لكن التعديلات التي
أُقرت على دستور عام 1926، سحبت من رئيس الجمهورية هذه الصلاحية، وفنّدت في
المقابل دور الحكومة ورئيس مجلس الوزراء وتحدثت عن دور حكومة تصريف الأعمال.
في سبتمبر عام 2021، كشف
القاضي بيتر جرمانوس أنه سبق أن شارك في إعداد دراسة عن عدم جواز حكومة تصريف
الأعمال تولي صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن هذه الدراسة أُعدت في عهد الرئيس ميشال
سليمان على قاعدة أن العهد كان حينها على أبواب الأفول فيما شبح الفراغ الرئاسي
مخيّماً، وحكومة الرئيس تمام سلام لم تكن قد تشكّلت بعد. وخلصت الدراسة إلى «ان
حكومة تصريف الاعمال لا تستطيع تولي صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد انتهاء ولايته، وعليه
لا بد أن يكمل الرئيس في منصبه الى حين انتخاب البديل».
سليمان ردّ حينها على
كلام جرمانوس، موضحاً أن لا عِلم له بهذه الدراسة «ولم أطلبها ولم أطلع عليها.
ولكن في العام 2013 جاء مَن ينصحني بتعقيد عملية تشكيل حكومة الرئيس سلام كي أستمر
في الرئاسة بسبب وجود حكومة مستقيلة تُصَرِّفُ الأعمال. فشكرتُهم للفت نظري،
قائلاً: «بما أنّني لا أريد الاستمرار دقيقة واحدة سأعمل على تسهيل التشكيل، ولو
على حسابي، رغم عدم اقتناعي بهذه الفتوى لأنها غير دستورية».
جرمانوس بإعلانه عن
الدراسة كان يلمح إلى أن الأمر نفسه يتكرر في دوائر القصر الجمهوري باللجوء الى
دراسة مماثلة لتبرير بقاء عون في قصر بعبدا وعدم تسليم مقاليد الرئاسة إلى حكومة
تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي.
وفعلياً فإن التداول بدأ
يتوسع حول دور حقوقيين من فريق رئيس الجمهورية في إعداد اجتهادات من هذا النوع،
رغم أن عون أعلن انه سيغادر قصر بعبدا فور انتهاء ولايته، فيما كان أوحى سابقاً
أنه لن يسلم مهماته الى حكومة تصريف أعمال.
وقد زكى هذا الاتجاه ما
قاله النائب جميل السيد لدى زيارته عون بعد الانتخابات النيابية من أنه «لا يجوز
أن يسلم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف أعمال في نهاية ولايته، لان صلاحيات
الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الأعمال ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة
الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته الى حكومة تصريف أعمال لا تتمتع بصلاحيات دستورية
بنفسها، ولا يمكن لها بالتالي أن ترث الصلاحيات الدستورية لفخامة الرئيس».
ومعلوم انه جاء في
الفقرة 2 من المادة 64 من الدستور «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة
ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال». وهذه
الفقرة التي يقرأ فيها معارِضو أو مؤيّدو تحوُّل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة
تصريف أعمال.
ومن أبرز الذين يؤيدون
انتقال الصلاحيات الى حكومة تصريف الأعمال لكن مع شرط تقيُّدها بما جاء في النص
الدستوري أي المعنى الضيّق هو وزير الداخلية السابق زياد بارود الذي عاود نشر
دراسة قانونية سبق أن أعدّها، وهو تحدّث أخيراً مرات عدة ملمحاً لعدم جواز بقاء رئيس
الجمهورية في منصبه بعد انتهاء ولايته، ومفنّداً أسباب قانونية لانتقال صلاحياته
الى حكومة تصريف أعمال، لكن مفسّراً في الوقت نفسه شروط تقيُّدها بما هو ضروري
ومُلِحّ، ومستنداً إلى أن المادة 62 من الدستور تنص على أنه في حال خلوّ سدة
الرئاسة لأي علةٍ كانت تنوط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء
«والدستور لم يحدّد بوضوح اذا كانت الحكومة تصريف أعمال او كاملة الصلاحيات»،
ومرجّحاً انه بين الفراغ وحكومة تصريف أعمال فإن الخيار يقع على حكومة تصريف
أعمال.
في المقابل، يبرز رأي
الخبير الدستوري حسن الرفاعي، الذي يعارض هذا الرأي تماماً منذ أن طُرح النقاش في
عهد سليمان، معللاً ذلك بأن حكومة تصريف الأعمال «حكومة ميتة» ومكلفة تصريف أعمال
محدودة فحسب، أما صلاحيات رئيس الجمهورية فهي كاملة في الدستور ولا يمكن أن تنقص.
في الأيام الأخيرة، كثرت
الاجتهادات والندوات القانونية وسط انقسام قانوني حول تفسير معنى تصريف الأعمال
وجواز تسلم حكومة مستقيلة مهمات رئيس الجمهورية. لكن رغم أن النقاش قانوني تقوده
مراجع دستورية، إلا أن القرار الأخير سيبقى سياسياً في حسم الاتجاه الذي سيسلكه
وضْع رئاسة الجمهورية وحكومة ميقاتي. وفي خدمة السياسة، غالباً ما استُخدم القانون
والدستور لتنفيذ مآرب السياسيين في لبنان.
تعليقات
إرسال تعليق