مداولاتٌ في الكواليس حول سيناريوهاتٍ تُلاقي انتهاء ولاية عون بـ «أفخاخ» دستورية... لبنان «يلهو» بقنابل موقوتة في... الوقت الضائع

وسام أبوحرفوش وليندا عازار ـ الراي

في المنطقة إعادةُ تشكيلٍ لتوازناتها وحروبها الباردة والساخنة، وفي لبنان الذي لم يكن واقعُه يوماً إلا انعكاساً لتَشابُكاتٍ أو اشتباكاتٍ خارجية، «لهوٌ» بصراعاتٍ صغيرةٍ فوق «حقلِ ألغامِ» أزماتٍ دستورية ومالية تشي بأن يتحوّل «الدوْسُ المتعمّدُ» عليها من أدوات «معارك» سياسية يُخشى أن تُخاض «حتى الرمق الأخير» على تخوم استحقاقات داهمة يتصدّرها انتخاب رئيس جديد للجمهورية ابتداء من 31 اغسطس المقبل.

ولم يكن على الأجندة اللبنانية أمس، مكانٌ لأبعاد القمة الروسية - التركية - الإيرانية في طهران والتي انعقدت وسط استمرار العالم بـ «تَقَفّي» التأثيرات العميقة للقاءات الرئيس الأميركي جو بايدن في جدة والقمة مع دول مجلس التعاون الخليجي زائد مصر والأردن والعراق... ولا للمشهدية الاستثنائية في باريس مع زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لفرنسا.

وحتى التهديدات الإسرائيلية لبيروت و«حزب الله» التي جاءت غداة إعلان تل أبيب إسقاط مسيَّرة للحزب والتي أطلقها رئيس الوزراء يائير لابيد خلال جولة مع وزير الدفاع بيني غانتس على الحدود مع لبنان، بالكاد كان لها مكان وسط قرقعة عناوين انفجرتْ في فترة انتقالية بين ولادة حكومةٍ يَبْني الجميع حساباتهم على أنها لن تبصر النور، وبين انتخابات رئاسية لم تكتمل عناصرها الداخلية والإقليمية. ...

من دهْمٍ استعراضي ومدجَّج بالإشكاليات القانونية والأمنية لمقرّ مصرف لبنان بحثاً عن الحاكم رياض سلامة وتوقيفه من مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون في مشهدٍ لم تعرفه «بلاد الأرز» في أيام الحرب واستدرج إضراباً لموظفي «المركزي» لثلاثة أيام ابتداءً من اليوم... إلى توقيف الأمن العام اللبناني النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة لدى عودته الى لبنان والتحقيق معه 11 ساعة وسط معلومات عن استدعائه اليوم من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي للتحقيق معه في المحكمة العسكرية... مروراً بتسريباتٍ عن دراسات قانونية يَجْري إعدادُها على قاعدة عدم جواز تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية، بحال انتهت ولاية عون في 31 أكتوبر المقبل دون انتخاب خلَف له وقبل أن يتم تشكيل حكومة جديدة، إلى حكومة تصريف الأعمال الحالية.

3 ملفات شغلتْ بيروت أمس وأزاحت الأنظار أيضاً عن العناوين المعيشية الضاغطة مثل أزمة الخبز والإضراب المفتوح منذ نحو 6 أسابيع لموظفي القطاع العام الذين قابَلوا بالرفض محاولات السلطة لمعالجة مطالبهم عبر «رشوةٍ مالية» (مساعدة اجتماعية بقيمة راتب كامل ابتداء من يوليو ورفع بدل النقل اليومي إلى 95 الف ليرة) رهنت التصحيح الفعلي والمستدام لأجورهم بإقرار الموازنة ورفْع الدولار الجمركي، ما سيضع رواتب العاملين في هذا القطاع من مدنيين وعسكريين، في الخدمة ومتقاعدين، أمام خطر عدم تقاضيها نهاية الشهر.

واستوقف أوساطاً سياسية أن الملفات التي طفت على سطح المشهد السياسي أمس بدت «متصلة» في إحدى حلقاتها، سواء بالأزمة الحكومية المستعصية أو الاستحقاق الرئاسي أو كلاهما معا.

فملف حاكم مصرف لبنان الذي تلاحقه القاضية عون في قضايا تتصل بالإثراء غير المشروع وتبييض الأموال والتزوير والتلاعب بالمال العام، لم يكن ممكناً عزْلُ فصلِه الأكثر إثارة الذي شكّله دهم قوة من «أمن الدولة» مقر المركزي ودخول عون شخصياً مصرف لبنان بحثاً عن الحاكم لتوقيفه بموجب مذكرة إحضار صادرة بحقه، عن المطاحنة التي تشتدّ على تخوم تأليف الحكومة الجديدة بين رئيس الجمهورية وفريقه وبين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي والتي باتت «جبهة متقدّمة» للانتخابات الرئاسية.

ولم يَعُد خافياً أن إقالة حاكم مصرف لبنان تشكّل أحد أبرز بنود الخلافات المستحكمة بين ميقاتي وفريق عون الذي يصرّ على إقالة سلامة، إلى جانب التعقيدات ذات الصلة بشكل وجوهر التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلف إلى عون في 29 يونيو الماضي، وهي التعقيدات التي استولدت قطيعةً على خط رئيس الجمهورية – ميقاتي غذّتْها حرب صلاحيات مستعادة و«خروق بروتوكولية» في التعاطي مع رئاسة الحكومة.

فالقاضية عون، المحسوبة على فريق رئيس الجمهورية، حوّلت ملاحقة سلامة عنواناً إشكالياً تكاتف فيه الشكل مع المضمون لجعْل هذه القضية مشوبة بمظاهر غير مألوفة بدأت تضع هيْبة القضاء وأجهزة أمنية على محكّ ما يشبه لعبة «قط وفأر» متمادية ومستمرة منذ أشهر لم تنفكّ فيها مدعي عام جبل لبنان تنفّذ شخصياً أو عبر قوة من أمن الدولة مداهمات لمنزل «حاكم المركزي» أو تحاول دخول مصرف لبنان، ولكن في كل مرة دون الوصول إلى نتيجة.

وأمس، كانت المرة الأولى تتوجّه قوة من أمن الدولة لتوقيف «الحاكم» من داخل مصرف لبنان بعد توافُر معلومات عن وجوده فيه، وذلك في أعقاب عملية بحث عنه نُفذت عنه قبل ساعات قليلة في منزله في الرابية حيث لم يتم العثور عليه.

ومع رفْض القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش إعطاء إشارة لدخول عناصر «أمن الدولة» إلى مصرف لبنان الذي يقع في قلب العاصمة أي خارج نطاق الصلاحية الجغرافية لعون، ووسط مخاوف من وقوع صِدام بين القوة التي تأتمر بمدعي عام جبل لبنان وبين عناصر قوى الأمن الداخلي المولجين حماية «المركزي» وحاكمه، حضرت عون شخصياً وقامت بالدخول مع مرافقيها حيث عمدت إلى البحث داخل الخزنات والمكاتب عن سلامة.

وفي حين ذكرت معلومات أن الحاكم كان داخل مكتبه «لكن القاضية لم تستطع الوصول إليه»، قالت عون بعد خروجها: «جئنا لتنفيذ الإشارة القضائية ولكن لم نجد الحاكم في مكتبه»، مؤكدة أنّه «أتت إشارة من القاضي حاموش لإخلاء المكان».

ووسط حالة من الهرج والمرج، أقفل البنك المركزي أبوابه، قبل أن يعلن موظفوه الإضراب لثلاثة رفْضاً «لدخول القاضية عون ومرافقيه حرم المصرف بطريقة غير مألوفة ودون مراعاة الاصول القانونية المعتمدة ما مسَّ بكرامة مؤسسة مصرف لبنان وموظفيها (...) ونظراً لكل التصرفات التي مورست وشكلت تجنّيا وإفتراء على المؤسسة وموظفيها»، وملوّحين بالإضراب المفتوح.

وعلى وقع هذا الصخب ووسط توقعات بأن يؤدي توقف مصرف لبنان عن العمل لثلاثة أيام وتالياً تعليق صدور تسعيرة لدولار «صيرفة» إلى اضطراباتٍ في سوق الدولار عبر هذه المنصة وتالياً ارتفاعه في السوق السوداء، أعلن ميقاتي أن التوافق السياسي في شأن حاكم جديد للمصرف المركزي مطلوب قبل أن تأخذ القضية ضد سلامة مجراها القانوني المناسب.

وأبدى ميقاتي في بيان له أسفه «للطريقة الاستعراضية التي يتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد، ما يعرّض البلد لاهتزاز لا تحمد عقباه».

وقال «إن مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الاجهزة القضائية ليست الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان. قلت وأكرر لسنا متمسكين بأحد، ولا ندافع عن أحد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيداً عن الاستنسابية، مع الحرص على سمعة لبنان المالية دولياً. والمطلوب ان تتم معالجة هذا الملف بتوافق سياسي مسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك».

ومعلوم أن القاضية عون محالة على المجلس التأديبي للقضاة بارتكاب تجاوزات في ملفات مفتوحة أمامها، وبناء على شكاوى مقدمة ضدها من متضررين، وعلى توصية من هيئة التفتيش القضائي، بعد إدلائها بتصريحات ومواقف سياسية لوسائل الإعلام، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، من دون موافقة وزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى.

وسبق لسلامة أن تقدم بطلب كف يد عون عن الدعاوى التي تتم محاكمته فيها، وهو ما يلزم القاضية بتوقيف التحقيق حتى البت بهذه الدعوى، إلا أن «عون» رفضت تبلّغ الدعوى.

توقيف مطران 11 ساعة

في موازاة ذلك، اتخذت قضية توقيف الأمن العام النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة في طريق عودته الى بيروت والتحقيق معه لساعات طويلة متواصلة، أبعاداً بارزة مع اعتبارها من قوى معارضة لائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (حزب عون) «رسالة الى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي انطلاقاً من مواقفه الوطنية» كما قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسط ربْط آخرين ذلك بالمواصفات التي أعلنها رأس الكنيسة لرئيس الجمهورية المقبل بحيث يكون «خارج الاصطفافات الحزبية» و«لا يشكّل تحدياً لأحد ويلتزم القضية اللبنانية والثوابت الوطنية وسيادة لبنان واستقلاله، ويثبت مبدأ الحياد».

وفي حين لفت أمس استقبال الراعي للمطران الحاج الذي أوضح أنه «تمّت معاملته باحترام خلال الـ11 ساعة التي احتجز خلالها وخضع لكثير من الأسئلة»، ذكرت تقارير أن الحاج وخلال توقيفه 11 ساعة خضع للتحقيق والتفتيش الدقيق وتمت مصادرة كل ما كان يحمله من أدوية ومساعدات حتى هاتفه الخلوي الخاص، قبل أن يُطلق سراحه بعد تدخلات كنسية وقضائية عليا.

ونقلت صحيفة «نداء الوطن» أن التوقيف عند معبر الناقورة الحدودي مع إسرائيل جاء بناء على قرار من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي (تربطه صلة قربى بالرئيس نبيه بري)، وأن المطران الحاج عيّن على أبرشية حيفا والقدس في سبتمبر 2021 وهو بحكم وظيفته ومهامه الدينية يتنقل بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وهي قاعدة يتمتع بها رجال الدين المسيحيون اللبنانيون الذين يخدمون الرعايا هناك وليست استثناء.

وقد ذهب البطريرك الراعي نفسه وزار الرعايا هناك. وكشفت الصحيفةُ أنه منذ مدة تم فتْح ملف يتعلق بالمطران الحاج و«اتُّهم» بأنه ينقل أموالاً وأدوية من لبنانيين فارين إلى إسرائيل إلى ذويهم في لبنان.

أفخاخ الاستحقاق الرئاسي

وإذ جاءت كل هذه الضوضاء على مسامع الموفد الفرنسي المكلف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان الذي بدأ زيارته لبيروت مؤكداً «ان لا بديل عن التوقيع السريع للغاية على برنامج مع صندوق النقد الدولي، على أساس الاتفاق التقني الذي أبرم في بداية ابريل الماضي بين الحكومة اللبنانية والصندوق»، مشدداً على وجوب تشكيل حكومة جديدة، لم يبرز ما يشي بأن التأليف سيخرج من حال الاستعصاء التي تترافق مع التداول بسيناريوهات عن مرحلة ما بعد 31 أكتوبر بحال حلّ شغور رئاسي ولم تكن وُلدت حكومة مكتملة المواصفات.

وفيما يلمّح البعض همْساً لخياراتٍ مثل حكومة عسكرية انتقالية أو إيجاد صيغة تكون «تحت إشراف» المجلس الأعلى للدفاع، كُشف أمس عن دراسة قانونية تحركت جهات قريبة من قصر بعبدا لوضعها معزَّزَة بالمستندات والمراجع والحجج القانونية التي تؤكد أنه لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حصول فراغ رئاسي.

ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر أن «الدراسة فور إنجازها سترسل الى الرئيس نبيه بري والى رئيس حكومة تصريف للاطلاع عليها، مرفقة بطلب من بعض القوى السياسية بتعديل الدستور تجنباً للفراغ الرئاسي».

واعتبرت أوساط متابعة أن مثل هذا السيناريو يعني محاولة توفير صيغة دستورية لبقاء عون في بعبدا، من ضمن معادلة بدت تنطوي على إما حكومة بشروطنا واما رئيس بشروطنا.

 

تعليقات