محمد شقير ـ الشرق الاوسط
لم يمنع غياب لبنان عن
القمة العربية - الأميركية الموسعة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في
مدينة جدة من حضوره بامتياز في البيان الختامي الصادر عنها، وأيضاً في بيان القمة
السعودية - الأميركية اللذين أعادا رسم خريطة الطريق الواجب التقيُّد بها لتجاوز
التأزُّم الذي يحاصره، مشروطاً بالوصول بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى بر
الأمان.
فالبيانان اللذان صدرا
عن هاتين القمتين، وتحديداً فيما يتعلق بلبنان، لم يحملا أي جديد باستثناء التأكيد
على احترام الدستور بانتخاب رئيس جمهورية جديد ضمن المهلة الدستورية، أي قبل
انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؛ لأن
المضامين الأخرى الواردة فيها ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن البيان الصادر عن القمة
السعودية - الفرنسية بقدوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، والآخر
الذي صدر عن اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي الذي جاء تتويجاً للجولة التي قام
بها على الدول الأعضاء الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس
الوزراء وزير الدفاع.
ولم تكن المبادرة
الكويتية التي حملها معه إلى بيروت وزير الخارجية الكويتي أحمد الناصر محمد
الصباح، سوى نسخة طبق الأصل عن البيان الصادر عن القمة الخليجية، ويحظى بدعم عربي
ودولي في محاولة لوقف تصدّع العلاقات اللبنانية - العربية، وتحديداً الخليجية منها
بعد أن بلغت ذروتها من التأزُّم.
لكن يبقى الجديد في
البيانين الصادرين عن القمتين السعودية - الأميركية والعربية - الأميركية، يتعلق
بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده في ضوء إصرار الرئيس الأميركي جو بايدن على
العودة للعب دور في المنطقة؛ لأن إخلاء الساحة يفتح الباب أمام روسيا والصين
وإيران لملء الفراغ الناجم عن الغياب الأميركي، وهذا ما اعترف به في مؤتمره
الصحافي الذي عقده فور انتهاء القمة السعودية - الأميركية.
فالاستحقاق الرئاسي
اللبناني هذه المرة يتزامن مع عودة واشنطن للعب دور في المنطقة بعد أن كانت أوكلت
إلى باريس مهمة متابعة ملف الأزمة اللبنانية بمواكبة أميركية، وهذا يعني حتماً من
وجهة نظر المراقبين بأن الاستحقاق يحظى باهتمام دولي، ولن يكون بمثابة نتاج لبناني
من دون أن يكون مفتوحاً على تقاطعات دولية وإقليمية.
وبكلام آخر، فإن لا مجال
للبننة الاستحقاق الرئاسي بمنأى عن هذه التقاطعات لأنه لن يكون لمحور الممانعة
بقيادة إيران اليد الطولى في انتخاب الرئيس العتيد، مع أن القمتين اللتين
استضافتهما المملكة أبقتا النافذة مفتوحة أمام طهران لتعيد النظر في حساباتها
وتراجع مواقفها للانضمام إلى النظام العالمي لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، على أن
يكون انتخاب رئيس جديد محطة أولى لاختبار النيات الإيرانية بوقف تدخلها في الشؤون
الداخلية لدول الجوار وعدم استخدامها لأذرعتها الأمنية والعسكرية لزعزعة الاستقرار
فيها.
وعليه، فإن الاستحقاق
الرئاسي يتقدّم حتى إشعار آخر على تشكيل الحكومة ما لم تحصل مفاجأة في اللحظة
الأخيرة تؤدي إلى إحداث خرق باتجاه تسريع ولادتها، وهذا يتوقف على رئيس الجمهورية
ميشال عون بمبادرته بدعوة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي لاستئناف
مشاورات التأليف بلا شروط مسبقة.
ورغم أن الحراك الرئاسي
لا يزال خجولاً ويقتصر حالياً على المواصفات التي حددها البطريرك الماروني بشارة
الراعي كأساس لانتخاب الرئيس من جهة وعلى الخرق الذي أحدثه رئيس حزب «القوات
اللبنانية» سمير جعجع بدعمه ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون إذا ما تبين بأن
لديه حظوظاً متقدّمة للوصول إلى سدة الرئاسة، فإن المراوحة ما زالت تطغى على ما
عداها وكأن كل فريق ينتظر الآخر ليبني على الشيء مقتضاه.
ويمكن القول بأن
الانقسام بداخل الكتل النيابية الذي سيطر على جلسة انتخاب نبيه بري رئيساً
للبرلمان لولاية سابعة والنائب إلياس بو صعب نائباً له لا يمكن أن ينسحب على
انتخاب رئيس جمهورية جديد؛ لأن البرلمان يقف الآن أمام إعادة خلطه الأوراق ومن غير
الجائز استباق ما ستقرره هذه الكتل، وإن كان زعيم تيار «المردة» النائب السابق
سليمان فرنجية يقف حالياً وحتى إشعار آخر على رأس السباق إلى رئاسة الجمهورية،
وهذا ما يزعج حليفه اللدود رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل رغم أنه
يدرك سلفاً بأن الملف الرئاسي يبقى في عهدة أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله
بالتشاور مع الرئيس بري.
ويحاول باسيل عقد صفقة
مع فرنجية في مقابل تأييده له، لكن الأخير ليس في وارد الانجرار إليها؛ لأنه يدرك
سلفاً بأن تداعياتها السلبية ستنعكس عليه وتولّد نقزة تمنع المتردّدين من حسم
خيارهم بانتخابه رئيساً، مع أنه يترك لـ«حزب الله» إذا ما اتخذ قراره النهائي
بترشيحه مهمة التحرك لدى حليفه باسيل لتنعيم موقفه.
لذلك؛ لا يزال الغموض
يكتنف الحراك الرئاسي ولن تكون ساحة المنافسة متروكة لفرنجية أو لمرشح آخر يدور في
فلك قوى «8 آذار» (مارس) أو في محور الممانعة، مع أن زعيم «المردة» الذي تربطه
صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد وبالثنائي الشيعي، يتجنّب في المقابل تقديم نفسه
على أنه مرشح ملحق بالمحور الذي تقوده إيران ويحاول الانفتاح على بعض الأطراف في
المعارضة ليتناغم مع المواصفات التي حددها الراعي التي يفترض بأن لا تنطبق على
المرشحين المنتمين إلى قوى «8 آذار» و«14 آذار» سابقاً، وإنما تأتي على قياس مرشح
وسطي.
وعليه، لا يدور الانقسام
بداخل البرلمان بين معسكرين، وإنما لا بد من التحسّب لموقف النواب أكانوا من
المنتمين إلى القوى التغييرية أو المستقلين، مع أن استعداد بري لتوجيه دعوة للنواب
لعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد في النصف الأول من أيلول أي بعد أسبوعين وربما أكثر
من الدخول في المهلة الدستورية لانتخابه، لا يحجب الأنظار عن طرح مجموعة من
الأسئلة، أبرزها:
- هل
إن الطريق سالكة أمام انتخاب رئيس يشكل تحدياً لقوى المعارضة أكانت تغييرية أو
تقليدية؟ ومن يضمن تأمين نِصاب أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان لانعقاد الجلسة وانتخاب
الرئيس في أول دورة انتخابية؟
- وفي
حال تعذّر انتخابه في الدورة الأولى، من يضمن تأمين النصاب بأكثرية الثلثين
لانتخاب الرئيس في الدورة الانتخابية الثانية بـ65 نائباً، أي بنصف عدد أعضاء
البرلمان زائد واحد؟
-
والسؤال نفسه ينسحب على الدورة الانتخابية الثالثة، ويكون الجواب نفسه بتعطيل
انعقاد الجلسة؛ لأن الأكثرية والمعارضة تتساوى في تعطيل الواحدة تلو الأخرى، وهذا
ما يفتح الباب أمام البحث عن مرشح وسطي للحؤول دون حصول فراغ في سدة الرئاسة مع
انقضاء المهلة الدستورية لانتخاب خلف لعون.
وفي هذا السياق، هناك من
يؤكد بأن التقاطع الدولي والإقليمي في خصوص الملف الرئاسي يصب لمصلحة التوافق على
انتخاب رئيس وسطي لا ينتمي إلى المعسكرين المتخاصمين، وإن كان على تواصل معهما
ويتموضع في منتصف الطريق بينهما، أما إذا كان هناك من يراهن على لبننة الاستحقاق
الرئاسي فسيكتشف بأن رهانه ليس في محله لأن الاهتمام الدولي به لا يقتصر على دور
مراقب، وإنما سيكون له فعله في انتخاب رئيس بمواصفات تعود بلبنان إلى خريطة
الاهتمام الدولي بمعاودة ضخ ما يحتاج إليه من مساعدات للانتقال من التأزّم إلى
الانفراج، بدءاً بتحرير الجمهورية من الخطف كشرط لتعويم مشروع الدولة.
تعليقات
إرسال تعليق