3 أسماء متقدّمة «تستوفي» مواصفات الكنيسة... كل العواصف السياسية بلبنان «زوبعة في فنجان» المعركة الرئاسية
كتبت صحيفة «الراي»:
على مشارف الـ 22 يوماً الأخيرة الفاصلة عن بدء المهلة
الدستورية لانتخابِ رئيس جديد، بات كل شيء في لبنان ومن حوله يُقرأ في «كف»
استحقاقٍ يحلّ كل ست سنوات، وفي كل مَرّةٍ يحفر تجربةً أكثر من مُرّة في جمهوريةٍ
بـ... رؤوس كثيرة. ولم تكد انتخابات مايو النيابية أن تنتهي ويتظهّر تحويل الحكومة
العتيدة «كيسَ ملاكمة» في الحلبة الرئاسية ما جعل ولادتها من سابع المستحيلات، حتى
صارت كل العواصف السياسية التي تهبّ، وليس آخرها «تفجير» جسر العودة في العلاقة
بين فريق الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف تأليف الحكومة نجيب
ميقاتي، تُقارَب بوصْفها «زوبعة في فنجان» رئاسية الخريف.
وحتى ملف الترسيم البحري مع اسرائيل أصبح التعاطي معه
يتمّ على أنه أحد مفاتيح أبواب بعبدا (حيث المقر الرئاسي)، فإذا أُفرج عن اتفاقٍ
نهائي وتم فك الارتباط بين هذا المسار والانتخابات التشريعية الاسرائيلية (نوفمبر)
مستفيداً من معادلة «الكل خرج رابحاً» من اندفاعة النار في غزة التي «أديرت» ومن
الجميع بعنايةٍ كبيرة، يكون الطريق قصيراً إلى القصر وضمن المواعيد الدستورية
(تنتهي في 31 اكتوبر)، وإلا وُضع هذا الاستحقاق «على الرف» والبلاد على كفّ...
أعتى الكوابيس.
وعلى وقع الضوضاء الداخلية وكأنها «طبول» المعركة
الرئاسية الصامتة، تبدو كل الأضواء على الكنيسة المارونية، التي وإن لم تكن يوماً
عنصراً مقرراً حاسماً في شكل نهائي في تسمية رئيس الجمهورية الماروني منذ ما قبل
الاستقلال وحتى اليوم، إلا أن ذلك لا يعني أنها تخلت يوماً واحداً عن دورها في هذا
الاستحقاق، وفي وضع أطر واضحة للمواصفات التي يفترض أن يكون عليها رئيس الجمهورية،
والتي حدّدها في الأسابيع الماضية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي واعتُبرت إحدى
الخفايا غير الخفية في الرسالة «غير المشفرة» التي وُجّهت لبكركي بتوقيف المطران
موسى الحاج قبل 3 أسابيع على معبر الناقورة الحدودي ومصادرة جواز سفره ومساعدات
مالية كان يحملها.
فالكنيسة حين لم تستطع أن تساهم في اختيار شاغل الموقع
الماروني الاول، كما حصل زمن الوجود السوري في لبنان وتأثيراته العميقة، كانت تحرص
على إبداء رأيها في ما يتعلق بدور رئيس الجمهورية والحفاظ على قسَمه، وبالصورة
العامة للبنان واستقلاله وسيادته وحرية أبنائه في ممارسة ما كفله لهم الدستور،
الذي خرقه رئيسان للجمهورية زمن الطائف بقبولهما التمديد لولايتهما وأشياء أخرى
كثيرة.
ومن مفارقات الأدوار التي لعبها بطاركة الطائفة
المارونية، إلى جانب رئاسة الجمهورية أحياناً بتأييد مطلق لها وأحياناً بمعارضة
مطلقة، أن بكركي ظلت صوتاً صارخاً ومؤثراً، لكنها حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن
الدخول في لعبة أسماء اختيار رؤساء الجمهورية.
وكان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يتحدث دائماً عن
مواصفات الرئيس وهو الذي عايش فراغيْن رئاسييْن. إلا أن صفير شذّ مكرهاً عن
القاعدة المتبعة حين ألحّت باريس عليه (العام 2007) عبر موفدها الوزير برنار كوشنير
تسليمها لائحة بأسماء مرشحين تفضّلهم بكركي وترى فيهم المواصفات التي يمكن البناء
عليها.
وقَبِل صفير تحت إصرار فرنسا، لكن اللائحة وجدت طريقاً
مسدوداً نتيجة تفاعل الضغوط الإقليمية والدولية. اليوم مع عودة شبح الفراغ الرئاسي
مرة أخرى، تسعى البطريركية المارونية إلى الدخول بقوة على خط الانتخابات الرئاسية،
وهي تقارب رئاسة الجمهورية بلهجة عالية، بدأت تترافق مع حيثيات الضغط السياسي
والقضائي عليها في ملف المطران الحاج، وقبْلها في ردّ الفعل المعارِض لطروحاتها
الداعية الى الحياد وعقد مؤتمر دولي حول لبنان ولهجتها العالية في ما يتعلق
بانفجار المرفأ وضرورة انتهاء التحقيق وعدم عرقلة العدالة.
قبل انتخاب الرئيس عون، اعتبرت بكركي أنها حققت نصراً في
جمْع القيادات المارونية الأربع، الكتائب والمردة والقوات اللبنانية والتيار
الوطني الحر، من أجل تحديد مواصفات رئيس الجمهورية. وحينها خرجت الى العلن مقولة
الرئيس القوي في طائفته، ما أدى لاحقاً إلى تعميم هذه المواصفات على رئيس الحكومة
فكانت التسوية الرئاسية التي أتت بعون رئيساً وأعادت الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة
الوزراء.
في الأسابيع الأخيرة عاودت بكركي صوغ مواقفها من
الاستحقاق الرئاسي على قواعد مختلفة. فهي أولاً أكدت موقفها الرافض للفراغ الرئاسي
ودعت إلى إجراء الاستحقاق في موعده.
ثانياً، في ظل الكلام عن مرشح لحزب الله، ومعاودة طرح اسم
رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشح محتمل له، ومن ثم تحييد الحزب نفسه عن تبنيه
وقول أمينه العام السيد حسن نصرالله أن لا مرشح للحزب، طرح البطريرك الراعي
مواصفات جديدة للرئيس المقبل، مُغايرة تماماً لمِا سبق اعتماده لجهة الرئيس القوي
في طائفته.
بدايةً حدد الراعي مواصفات الرئيس المقبل بأن «يعمل على
تحديث علاقات المكونات الميثاقية في ظل دولة قادرة على استيعاب التعددية واحتضان
الجميع في نظام لامركزي موسع. ويعمل ساعياً على أن يتوحّد الولاء، ويلتزم بالحياد،
وتطوى جميع المشاريع الدخيلة على وطننا ومجتمعنا».
ومن ثم تمنى «انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لهذا أو ذاك»،
وقال «نتطلع إلى رئيس يلتزم القضية اللبنانية والثوابت الوطنية وسيادة لبنان
واستقلاله، ويثبت مبدأ الحياد. لا نستطيع أن ننادي بحياد لبنان ونختار رئيساً
منحازاً للمَحاور وعاجزاً بالتالي عن تطبيق الحياد. والرئيس الذي لا يشكل تحدياً
ليس بالطبع رئيساً لا يمثل أحداً ولا رئيساً يخضع لموازين القوى، فيستقوي على
الضعيف ويضعف أمام القوي. لا يُحكم لبنان استناداً إلى موازين القوى، بل إلى
الدستور والقوانين والشراكة كي تبقى الشرعية المرجعية والملاذ ومصدر القرارات
الوطنية».
هذه المواصفات، رأى أفرقاء قوى 8 مارس أنها لا تصب في
خانة أيّ مرشح يمكن أن يزكيه حزب الله ولا سيما أحد حليفيه فرنجيه أو رئيس التيار
الوطني الحر جبران باسيل، ولو أن الأخير أصبح مستبعَداً نتيجة عوامل محلية رافضة
له حتى من قوى 8 مارس كالرئيس نبيه بري والعقوبات الأميركية المفروضة عليه. وقد لا
تجد المواصفات كذلك صدى إيجابياً لدى شخصيات تمثل قوى 14 مارس كرئيس حزب القوات
اللبنانية سمير جعجع الذي لا يزال يصرّ على أنه مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية مع
تأكيد دعوته نواب المعارضة للاتفاق على رئيس يتمتع بـ الحدّ المقبول سيادياً والحد
الأقصى إصلاحياً.
ثالثاً، بدأ الراعي يجوجل بعض الأسماء المرشحة انطلاقاً
من خياراته المتعلقة بشخصية الرئيس والمواصفات «الحيادية» التي طرحها. ويتردد بحسب
معلومات «الراي» ان الراعي كان متمسكا باسمين: الوزيران السابقان زياد بارود
وروجيه ديب، وأضاف إليهما لاحقاً بعد جولة مشاورات الوزير السابق جهاد أزعور
ليحتلّ المرتبة الأولى في الخيارات.
ورغم أن بكركي تسعى دائماً إلى نفي دخولها في لعبة
الأسماء، إلا أن مجموعة عوامل تجعل من عملية الطرح الحالية منطقية لجملة أسباب،
كون الكنيسة تستشعر بأنها تتعرّض لحملة عزْل من جانب حزب الله ومن جانب مؤيديه،
وهي رأت في الحملة على المطران الحاج محاولة واضحة لاستهدافها في توقيت مريب.
من هنا تحاول القفز على أي سعي لتطويقها من خلال إثبات
أحقيتها في لعب دور مركزي في الدفع لاختيار شخصية حيادية تواكب الطرح الذي أعلنته
سابقاً وقادرة على تحويل الفكرة الى مشروع انقاذي.
والسبب الثاني، أن بكركي تريد استرجاع دور أساسي في
الساحة المسيحية إلى جانب الأحزاب والقوى السياسية، وهي تعتبر أن موقعها وعلاقاتها
الخارجية تمكّنها من أن تعمل على إجراء الاستحقاق في موعده، على أن يتلازم ذلك مع
وصول شخصية سياسية بعيدة عن الحساسيات السياسية والحسابات التي أدخلت لبنان في
السنوات الست الاخيرة في انقسامات حادة. والأسماء التي تعتبر بكركي أنها يمكن أن
تتماهى مع طروحاتها ليست محسوبة بالكامل على طرف سياسي.
ورغم أن ديب كان وزيراً مؤيِّداً للقوات اللبنانية، لكنه
في الأعوام الأخيرة أصبح من نسيج بكركي ولقاءاتها التشاورية، في حين أن بارود الذي
شغل منصب وزير الداخلية في عهد الرئيس ميشال سليمان، ترشح للنيابة مع التيار الحر
في انتخابات 2018.
أما ازعور فهو محسوب بطريقة ما على خط 14 مارس كونه تولى
وزارة المال بين 2005 و2008 في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
تعليقات
إرسال تعليق