محمد شقير ـ الشرق الاوسط
بادر عدد من السفراء
الأجانب المعتمدين لدى لبنان إلى تشغيل محركاتهم فور بدء العدوان الإسرائيلي على
غزة باتجاه الأطراف السياسية الرئيسة، في محاولة وقائية لاستيعاب ما يمكن أن يترتب
عليه من تداعيات على الساحة الداخلية تتجاوز إعلان التضامن مع الفلسطينيين إلى
تحريك جبهة الجنوب في ضوء المواقف التي أعلنها قائد الحرس الثوري الإيراني حسين
سلامي وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني وخلاصتها أن صواريخ «حزب الله» ستفتح أبواب
جهنم في تصديها للعدوان الإسرائيلي، أم أن توازن الرعب سيفعل فعله في الحفاظ على
قواعد الاشتباك وعدم المس بها.
فإعلان التضامن الإيراني
مع حركة «الجهاد الإسلامي» التي تتصدى للعدوان الإسرائيلي على غزة ليس بجديد،
خصوصاً مع وجود زعيمها زياد النخالة في طهران، لكن سلامي وزميله قاآني لم يكونا
مضطرين لإطلاق تهديداتهما مستعينين بصواريخ «حزب الله»، وكان سبق لأمينه العام حسن
نصر الله، كما يقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، أن أعلن عن امتلاكه
لأكثر من ألف صاروخ من صنع إيراني.
ويلفت المصدر الدبلوماسي
الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين لم تكن في محلها وإن
كانوا يتوقعون منها توجيه رسالة مزدوجة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بأن
حركة «الجهاد الإسلامي» ليست متروكة وحدها، ويقول إن تضامنهم شكل إحراجاً للدولة
اللبنانية أمام المجتمع الدولي لأنهم أوحوا بأن أمر عمليات مساندة الجهاد الإسلامي
يصدر من طهران وأن حليفها «حزب الله» يتولى التنفيذ برغم أنه لن «يقصر»، وهو كان
ولا يزال على جاهزية تامة لردع أي عدوان إسرائيلي على لبنان.
ويؤكد أن الرعاية
الإيرانية المباشرة لـ«الجهاد الإسلامي» تأتي هذه المرة بالتلازم مع احتمال
استئناف المفاوضات غير المباشرة حول الملف النووي في ضوء تبادل الرسائل بالواسطة
بين واشنطن وطهران برعاية المجموعة الأوروبية، ويقول إن طهران بدعمها المطلق
لـ«سرايا القدس» الذراع العسكرية لـ«الجهاد الإسلامي» تراهن على قدرتها بمنع
إسرائيل من الإخلال بقواعد الاشتباك وإحباط مخططها من عدوانها على غزة، فيما تقف الآن
على مشارف إجراء انتخابات مبكرة.
ويدعو المصدر نفسه إلى
ضبط النفس في لبنان وعدم توفير الذرائع لإسرائيل، خصوصاً إذا ما أرادت إعادة خلط
الأوراق وصولاً إلى تهديد استقراره الذي من شأنه أن يرفع من منسوب التأزم الذي
يحاصره، وبالتالي يقطع الطريق على المجتمع الدولي الذي يبدي كل استعداد لانتشاله
من قعر الهاوية التي وصل إليها، شرط أن يبادر اللبنانيون إلى مساعدة أنفسهم لأن من
دونها لا يمكن التوجه إلى الخارج طلباً لوقف انهياره.
ويقول إن مبادرة لبنان
الرسمية بلسان وزارة الخارجية إلى إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة كانت أكثر من
ضرورية، ويؤكد أن إجماع اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم على إدانته من شأنه أن
يقطع الطريق على من يراهن على إحداث شرخ بينهم، مع أن الموقف الإيراني لم يكن
مطلوباً وأن طهران كانت في غنى غنه بدلاً من أن يشكل إحراجاً مجانياً للدولة لشعور
هذا الفريق أو ذاك بأن إيران تستخدم الساحة اللبنانية لإدارة الصراع مع إسرائيل،
خصوصاً أن الصمود الفلسطيني في وجه عدوانها حال حتى الساعة دون تمكينها من قلب
موازين القوى.
ويعتبر المصدر نفسه أن
إطالة أمد العدوان الإسرائيلي على غزة لن يكون لمصلحة تل أبيب لأنه سيؤدي حتماً
إلى استقدام التدخلات أكانت عربية أو دولية لوقف إطلاق النار، ولم يغب عن باله
السؤال عن مصير مهمة الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لترسيم
الحدود البحرية، خصوصاً أنه كان قد أطلق لدى اجتماعه بالرؤساء الثلاثة مجموعة من
الإشارات الإيجابية والمشجعة لإنجاز الاتفاق، وإن كانت العبرة تكمن في استئناف
المفاوضات غير المباشرة في الناقورة التي ما زالت عالقة على الجواب النهائي لتل
أبيب على المقترحات اللبنانية لتسوية النزاع البحري؟
كما يسأل ما إذا كانت
الظروف ذات الصلة المباشرة بالوضع الداخلي في إسرائيل المرتبط بمصير الانتخابات
المبكرة التي ستجري قريباً، ستسمح باستئناف المفاوضات غير المباشرة، أم أنها سترحل
إلى ما بعد الانتخابات لإخراج عملية الترسيم من المزايدات التي بدأت ترافق الحملات
الانتخابية؟
لذلك يقف لبنان الآن في
عين العاصفة السياسية التي تجتاح المنطقة بدءاً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وهذا
من شأنه أن يعيد خلط الأوراق ويفتح الباب أمام السؤال عن مصير الانتخابات الرئاسية
في حال تقرر تعليق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية إلى ما بعد تمرير القطوع
الانتخابي في إسرائيل، وهل أن الاستحقاق الرئاسي أصبح متلازماً مع نجاح الوسيط
الأميركي في مهمته؟
ومع أن الاهتمام الدولي
بانتخاب رئيس جمهورية جديد لا يزال دون المستوى المطلوب ويقتصر حالياً على تحرك
عدد من السفراء باتجاه الناخبين الكبار في الداخل في مهمة استطلاعية تأتي في سياق
تجميع المعلومات ليكون في وسعهم أن يبنوا على الشيء مقتضاه في إعدادهم لتقاريرهم
التي سيرفعونها إلى المعنيين في بلدانهم بالملف الانتخابي، فإنهم في المقابل يصرون
في لقاءاتهم المفتوحة مع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي على التأكيد بعدم تدخلهم
لمصلحة هذا المرشح أو ذاك بذريعة أنه شأن داخلي.
ويُنقل عن مصادر دبلوماسية
مواكبة للاستحقاق الرئاسي قولها بأن انتخاب الرئيس يجب أن يكون محطة للانتقال
بلبنان من التأزم إلى الانفراج شرط وقوفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف وعدم
انحيازه لفريق على حساب الآخر لئلا يؤدي انتخابه إلى تمديد الأزمة.
وعليه، تأمل المصادر
نفسها بألا ينعكس تهديد إيران بصواريخ «حزب الله» على الوضع الداخلي، خصوصاً أنها
تسببت بإحراجه على المستويين الداخلي والخارجي بتقديم نفسها على أنها هي من تتخذ
قرار الحرب والسلم في لبنان وتترك لحليفها «حزب الله» مهمة التنفيذ.
تعليقات
إرسال تعليق