لماذا يَبْقى أي اتفاق بحري بين لبنان وإسرائيل... هَشاً؟...

إيليا ج. مغناير ـ الراي

كثرت التصريحات الإسرائيلية واللبنانية عن احتمال توقيع وشيك لاتفاق الترسيم البحري بوساطة الولايات المتحدة، بعدما كان هدد «حزب الله» على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، فارضاً معادلة «الترسيم مقابل التنقيب» و«الحرب مقابل تنقيب إسرائيلي من دون ترسيم». إلا أن السؤال يبقى: هل تجرؤ إسرائيل على توقيع اتفاق مع لبنان تحت التهديد؟ وهل تعترف حكومة بقيادة زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو باتفاق توقّعه حكومة يائير لابيد «السابقة»؟

يدلّ تاريخ إسرائيل على عدم التزامها بأي اتفاق دولي مثل اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين وقبول حلّ الدولتين وعدم تنفيذ هذا الاتفاق على مر العقود.

كذلك يدلّ تاريخ أميركا على نقضها للاتفاقات الدولية وآخِرها الاتفاق النووي الذي مزّقه الرئيس دونالد ترامب ولم يوقّعه الرئيس جو بايدن بعد مرور نصف مدة حكمه. ومع العدّ التنازلي لانتخابات الكنيست الإسرائيلية، تشير الدلائل جميعها إلى احتمال كبير لعودة نتنياهو إلى الحُكْم وهو المعارض لأي اتفاق يعطي أي طرف عربي أدنى حقوقه المغتصَبة.

وها هو يخرق تفاهم المسؤولين الأميركيين معه حول عدم استخدام إمكان الاتفاق مع لبنان في البازار الانتخابي عبر خروجه إلى الإعلام متّهماً لابيد بالضعف والانصياع لتهديد «حزب الله» والرضوخ له، لتزداد حظوظه (المرتفعة أصلاً) بالنجاح وكسْب أكبر عدد من الأصوات المتطرّفة في الانتخابات المقبلة.

أما الأسباب التي تؤدي إلى تعثّر الاتفاق مستقبلاً فهي: إما عدم احترام إسرائيل الاتفاق بعد توقيعه، و اما توقيع الاتفاق ليبقى حبراً على ورق، أو عدم استثمار الغاز من إسرائيل كي لا ترضخ لتهديد نصرالله وتمنحه نصراً آخَر في وقت تحاول أميركا إظهار «حزب الله» كمسؤول عن تدهور الاقتصاد اللبناني.

وتبقى هناك نقاط عالقة بين الطرفين: أوّلها «الخط الأزرق» الوهمي الذي يقتطع منطقة لا يملكها أحد وتعطي إسرائيل الوقت الكافي للتدخل في حال حدوث خرق ما من الطرف اللبناني.

والثانية ترتبط بموقع الطفافات البحرية التي تحد الحدود البحرية بين الطرفين.

وهاتان النقطتان من اختصاص المُفاوِض الرسمي اللبناني وإمكان موافقته أو عدمها.

إذ نأى «حزب الله» عن الدخول في هذه المفاوضات وحَصَرَ تدخله فقط في منع إسرائيل من الاستخراج إذا لم يتم الاتفاق على الترسيم مع الجانب الرسمي اللبناني.

وهاتان النقطتان ستعطيان إسرائيل الوقت الذي تحتاجه للمراوغة وكسب المزيد من الوقت لتأخير الاتفاق والتفاوض عن طريق المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي يأخذ وقته كل مرة للعودة إلى لبنان.

أما المسألة الأهم فهي أن إسرائيل لم تتعود إعطاء أي تنازل حتى بالمفاوضات وما تنطوي عليه من التزامات. وثمة تجارب تاريخية حاسمة في هذا «الاتجاه»، منها أنه يوم ذهب الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الأسد إلى جنيف السويسرية وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في انتظارهما لتوقيع اتفاق دامت مفاوضاته سنوات حول الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتل مقابل السلام، رجع الجميع بخفي حنين بعدما عدَل الجانب الإسرائيلي عن موقفه في اللحظات الأخيرة وأدخل تعديلات حول إبقاء أمتار محتلة داخل الجولان، وهو ما رفضته سورية.

أما إذا سقطت حكومة لابيد - كما هو متوقع - في انتخابات الكنيست المقبلة، وفاز نتنياهو الذي لا يتفق كثيراً مع بايدن المنشغل بالدفاع عن أحادية أميركا في العالم، فإنه لن يخشى نقض الاتفاق مع لبنان (إذا وُقّع) والتملص منه أو التلطي خلف قرار حكومة لابيد السابقة بتأخير التنفيذ.

أما لبنانياً، فان توقيع الاتفاق سيؤدي إلى انتصار يُسجّل للرئيس ميشال عون الذي عمل خصومه السياسيون على إظهار عهده وكأنه الأسوأ في تاريخ لبنان المعاصر، وتالياً فإنه لن يُرْضي العديد من القادة السياسيين غير المستعجلين لإعطاء عون أي انتصار على بعد نحو شهر من انتهاء ولايته.

ومن البدهي القول إن توقيع لبنان الاتفاق لن يسمح باستخراج الغاز بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، بل بعد سنوات طويلة تكون خلالها الشركات الغربية قادرة على تأخير العمل الفني إلى أمد أبعد كي لا يخرج لبنان من محنته الاقتصادية التي ينبغي البقاء أسيرها ما دام يشكل خطراً على إسرائيل، ولم يوقع اتفاق سلام معها وهو مازال يحتضن قوة مثل «حزب الله» تشكل خطراً مباشراً على تل أبيب.

 

 

تعليقات