مسار النهضة الاقتصادية بقيادة السعودية

الكاتب: طارق أبو زينب / جسور

تطورت العلاقات الصينية - العربية تطوّرًا مُلفِتًا خلال العقدين الأخيرين، نتيجة التسارع في معدلات النمو الاقتصادي، ما فتح الباب أمام فرص استثمارية وتجارية، أثارت شهية الصين، تُوِّجَت بإبرام مجموعة كبيرة من إتفاقيات الاستثمار في الدورة العاشرة من مؤتمر "رجال الأعمال العرب والصينيين".

اتفاقيات تم اعتبارها الأهم على الإطلاق في سياق التعاون الأقتصادي العربي-الصيني الذي لا يأتي مرتبطًا بأيّ شروط، ويعزز التعاون بين مجتمعي الأعمال العربي والصيني على حد سواء.

وفي هذا الإطار، نجحت السعودية باستضافة الدورة العاشرة لمؤتمر الأعمال العربي الصيني تحت شعار "التعاون من أجل الرخاء" بمشاركة 23 دولة في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بمدينة الرياض، وبتنظيم من وزارة الاستثمار ووزارة الخارجية وبالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية واتحاد الغرف العربية وعدد من الجهات الحكومية.

أجندة أعمال غير مسبوقة

أسدل الستار عن أعمال مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر، وتوصل الجانبان العربي والصيني في ختام الدورة العاشرة للمؤتمر إلى "إعلان الرياض"، الذي تضمن تسعة بنودٍ رئيسية، شملت تعزيز الشراكات الاقتصادية، واستكشاف فرص جديدة للتعاون، ودعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتبادل البحوث والابتكارات العلمية، وتنظيم برامج التأهيل والتدريب لتعزيز رأس المال البشري، وتفعيل التعاون لتحقيق استقرار السوق، والتصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وتعظيم مصادر الطاقة المتجددة .

وقد انطلقت أعمال مؤتمر الأعمال العربي الصيني بكلمةٍ ألقاها بالنيابة عن ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، أبرز فيها أهمية التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف بين الدول العربية والصين .

لقاء القيادات وصناع القرار

وتوّج المؤتمر بمشاركة أكثر من 4,500 مشارك ومشاركة من صناع القرار والمستثمرين، والخبراء، والمختصين، والمبدعين، وقادة الأعمال من القطاعين العام والخاص من 26 دولة لرسم طريق المستقبل الاقتصادي بين الدول العربية والصين، وتضمّن جلسات رئيسية، وورش عملٍ متخصصة، وحواراتٍ متعمقة وطرح العديد من الرؤى المستقبلية الطموحة، ولقاءاتٍ خاصةٍ مع عددٍ من القيادات الحكومية، والشخصيات المهمة، كما ألقيت كلماتٌ رئيسيةٌ، هدفت في مجملها للتعريف بالمبادرات والفرص التي تسهم مباشرة في تكثيف التعاون المؤسسي بين الصين والجانب العربي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة اليوم وفي الممستقبل القريب، خاصةً في قطاعات التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والزراعة، والعقارات، والمعادن، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والرعاية الصحية وشهد اليوم الأول للمؤتمر إبرام 23 صفقة بقيمة إجمالية زادت عن 10 مليارات دولار في العديد من المجالات بين القطاعين العام والخاص بالدول العربية والصين .

السعودية تلعب دوراً محوريًا

في السياق، يقول رئيس "تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني" ورئيس "مجموعة أماكو" ، علي محمود العبد الله المشارك في أعمال "مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين" و"ندوة الاستثمار العربي الصيني" لـ "جسور":  "نحن نشهد في الرياض، وتحت رعاية كريمة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولادة فجر جديد في تاريخ العالم العربي وفي العلاقات العربية الصينية على مستوى رجال الأعمال والاستثمار. إننا فعلًا أمام ولادة جديدة لدول المنطقة، تماما كما قال ولي العهد السعودي عام 2018 في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي انعقد في الرياض، حين وصف الشرق الأوسط بأوروبا الجديدة."

السعودية تقود "النهضة الكُبرى"

وأضاف العبد الله: "في خضم التطورات العالمية المُقلقة، بخاصّة منها الأحداث الاقتصادية والعسكرية في أوروبا والتوترات في مناطق أخرى من العالم، تشكل العلاقات المتينة مع الصين، مكسبًا لكل الدول العربية، لأن الصين قوة عُظمى مؤمنة بالسلام وببناء جسور التعاون على كل المستويات، مستندةً بذلك إلى قوّتها الاقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية وصداقاتها الدولية، وهي تنظر إلى الدول العربية باعتبارها مهدا لشراكاتها الدولية الناجحة".

وأضاف: "السعودية تقود "النهضة الكُبرى" في المنطقة، وكل البلدان العربية مدعوة للانضمام إلى هذه النهضة بالتعاون مع الدول العُظمى الصديقة وعلى رأسها الصين التي لم تترك مناسبة إلا وعبّرت فيها عن رغبتها بتطوير العلاقات مع العالم العربي. أدعو القطاع الخاص العربي من "مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين"، إلى المضي في تثبيت مسيرة تعزيز العلاقات العربية الصينية، فالعالم الذي يولد أمامنا اليوم، هو عالم جديد، يتطلب منّا جميعا التعاون من أجل مستقبل أوطاننا وشعوب المنطقة."

لبنان وإعادة النهوض

وفي الحديث عن تأثير كل ما ذكره على لبنان، أوضح: "مع سياسة الاعتدال وتصفير المشاكل التي رسّختها السعودية في المنطقة، نكون اليوم أمام صفحة جديدة من صفحات النمو وبناء الشراكات والازدهار، وهذا كلّه يأتي خدمة لشعوب المنطقة وازدهار الاقتصادات العربية. وعلينا في لبنان حسم أمورنا بأسرع وقت ممكن، لمواكبة التغيرات السياسية والاقتصادية الكُبرى والاستفادة منها. أنا أدعو إلى المُضي قدما بتنفيذ تسوية سياسية – مالية – اقتصادية في لبنان، بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وإطلاق ورشة لبناء ما تهدّم، ودعم بناء اقتصاد وطني وقطاع مصرفي على أُسس صلبة شفافة تلبي المعايير الدولية، وتعزيز السياحة والصادرات الصناعية واحتضان أصحاب المشاريع التكنولوجية والرقمية".

"لحظة" عربية تاريخية

"هي لحظة عربية تاريخية، وسيكون لها انعكاسات اقتصادية وسياسية هائلة" قالها العبدلله مؤكدًا أنها "سترسّخ دور المملكة العربية السعودية كقطب عالمي صانع للسياسات الدولية، وستساهم في استكمال تنفيذ نتائج "القمة العربية الصينية". في تلك القمة أكد ولي العهد السعودي أن العالم العربي قادر على تحقيق الرخاء والتنمية من خلال تقوية شراكاته مع القوى الدولية الرئيسية، ومن بينها الصين التي حققت نمو مطرد وتقدم تقني متسارع، جعلها ضمن الاقتصاديات الرائدة عالميًا."

ومن خلال مشاركته في أعمال المؤتمر، أوضح العبد الله "أن المملكة اتخذت خياراتها الوطنية والعربية، وهي ماضية في استراتيجيتها السياسية - الاقتصادية القائمة على الشراكات المتينة. وما تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في كلمته على هامش اليوم الأول من المؤتمر سوى تأكيد على هذه الخيارات، إذ قال إن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، إذ يبلغ حجم التبادلات معها نحو 430 مليار دولار. فيما أشار وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إلى أن علاقات الرياض وبكين نمت بشكل وثيق "لكوننا الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، والأسرع نموا في العالم خلال العام الماضي"، مشددًا في الوقت ذاته على التزام السعودية بالعمل كجسر يربط العالم العربي بالصين".

كما شدد على التزام المملكة بربط العالم العربي مع الصين وتوسيع استثمارات بلدان المنطقة، مبيّنا إن "حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية يتجاوز 3.5 تريليون دولار، ثلثها في السعودية".

ختامًا جاء كلام علي العبد الله ليشير إلى أننا "أمام عالم متغيّر ومعادلات اقتصادية وسياسية دولية مختلفة، وينبغي علينا قراءة معطيات اللحظة الراهنة بعقلية اليوم، لا بعقلية الأمس. ولكي نستقل قطار النهضة الكُبرى التي تقودها المملكة العربية السعودية في المنطقة، علينا كقادة في القطاع الخاص المبادرة والعمل بكل ما أوتينا من قوة".

 

تعليقات