بقلم علي محمود العبدالله / رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبناني الصيني.
وقعت السعودية واليابان،
الأحد، 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم مشتركة في مجالات متعددة تتنوع بين الطاقة
المتجددة، والفضاء والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي وغيرها من مشاريع اخرى مهمة،
فما هي دلالات هذه الاتفاقيات؟
تشكل زيارة رئيس الوزراء
الياباني فوميو كيشيدا إلى السعودية حدثا تاريخيا، خصوصا بينما تتحوّل المملكة إلى
قوة عالمية يُحسب لها ألف حساب. كما إن للزيارة دلالات ذات أهمية استراتيجية لكل
من السعودية واليابان، خصوصا بينما تمرّ دول العالم في حقبة انتقالية قد تقود إلى
عالم متعدد الأقطاب، وتتحوّل السعودية إلى واحدة من القوى العالمية المؤثّرة في
السياسات الدولية والاقتصاد العالمي.
كما تمثل الزيارة نتيجة
طبيعية لمسار طويل من تطوير العلاقات. وعلى مدى تاريخ العلاقات بين الطرفين، ثمة
محطات بالغة الأهمية، ربما أبرزها صياغة “الشراكة الشاملة نحو القرن الـ 21” بين
الملك فهد بن عبد العزيز ورئيس وزراء اليابان الأسبق هاشيموتو في العام 1997.
وتعزيزا لهذه الشراكة زار الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم كان وليا للعهد
اليابان في العام 1998، وهناك تم توقيع مجموعة اتفاقيات لتطوير العلاقات مع رئيس
الوزراء الأسبق كييزو أوبوتشي، قبل أن يزور وزير الخارجية الياباني الأسبق يوهي
كونو السعودية في العام 2001. وكان ملفتا يومها إعلان اليابان لمبادرتها التي
تركزت على ثلاثة محاور هي تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير
مصادر المياه والحوار السياسي الواسع المتعدّد.
وفي العام 2016 زار ولي
العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز اليابان، حيث التقى
رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي. وأهم ما في هذه الزيارة يومها كان الإعلان عن
صياغة رؤية مشتركة سعودية – يابانية بعنوان “الرؤية السعودية اليابانية 2030”. ومن
خلال هذه الرؤية بدأ العمل على مجالات تعاون تتخطى النفط، باتجاه مجالات اقتصادية
متعددة. بعد ذلك زار الملك سلمان بن عبد العزيز اليابان في العام 2017، لاستكمال
عملية تطوير العلاقات وتوقيع المزيد من الاتفاقيات والشراكات بين الجانبين. ثم حدث
تطوّر مُلفت في العام 2019، عندما زار ولي العهد اليابان ممثلا السعودية في قمة
مجموعة العشرين في مدينة أوساكا.
ولهذا السبب ننظر إلى
زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا باعتبارها حدثا دوليا بينما نمر ّفي
مخاض ولادة عالم متعدد الأقطاب، واستكمالا لمسار تنمية العلاقات بين البلدين،
وتحديدا كل ما يتعلق بـ “الرؤية السعودية اليابانية 2030”.
ولا شك أن ملف الطاقة
بين البلدين هو ركيزة أساسية في العلاقات الثنائية، إذ تعد شركة أرامكو أكبر مورد
للنفط إلى اليابان، وهي سبق أن صدرت على سبيل المثال نحو 40 في المئة من إجمالي
واردات النفط اليابانية في العام 2021. كما تعد المملكة أكبر مصدر للنفط إلى
اليابان، ويتعاون البلدان في مجال توليد الكهرباء اعتمادا على الهيدروجين
والأمونيا، وسبق أن صدّرت المملكة إلى اليابان في العام 2021، شحنات من الأمونيا
الزرقاء. فضلا عن ذلك أسست أرامكو مجموعة من مواقع تسليم المنتجات المكرّرة في
جزيرة أوكيناوا اليابانية، لتوريد المواد إلى نحو 6 آلاف محطة في اليابان.
وأعتقد أن قوة الاقتصاد
السعودي وتحوّل المملكة بشكل تدريجي إلى قوة أساسية على المستوى العالمي، هي من
أبرز الدلالات على هذه الزيارة. وبحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، يشهد
الاقتصاد السعودي حالة من الازدهار بفضل ارتفاع أسعار النفط، والتحسن القوي في
مستويات الاستثمار الخاص، وتنفيذ الإصلاحات. وقد بلغ فائض الحساب الجاري أعلى
مستوياته خلال عشر سنوات، كما تمكنت المملكة من احتواء التضخم. وتحدث هذه التطورات
الإيجابية في السعودية بينما تعاني عشرات الدول من التضخّم وتباطؤ النمو والحروب
وتعثر سلاسل الإمداد.
وخلال العام 2022، كانت
المملكة الأسرع نموا بين اقتصادات مجموعة العشرين. إذ بلغ النمو الكلي 8.7 في
المئة بفضل قوة الإنتاج النفطي ونمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8 في
المئة، وهو ناتج عن صلابة مستويات الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة غير
النفطية، بما في ذلك المشاريع العملاقة. وشملت المحرّكات الأساسية للنمو غير
النفطي تجارة الجملة والتجزئة وقطاعي البناء والنقل. وبحسب التقديرات، تمكنت
السعودية من سد فجوة الناتج خلال العام 2022، ولا يزال الزخم مستمرا خلال العام
الحالي، حيث تشير التوقعات إلى تجاوز النمو غير النفطي 5 في المئة خلال النصف
الأول من عام 2023.
تعد السعودية ثالث أكبر
شريك تجاري لليابان بحسب وزير الاستثمار السعودي، الذي قال: “الاتفاقيات مع
اليابان، ستدفع بالشراكة الاقتصادية لمستويات جديدة خلال الفترة المقبلة” فهل هذه
الاتفاقيات ستأثر على العلاقات التجارية بين الصين والسعودية؟
صحيح السعودية تحتل
المرتبة الثامنة في قائمة الشركاء التجاريين لليابان عالميا، وبحسب وزارة التجارة
السعودية بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة واليابان 657 مليار ريال (175.2
مليار دولار) خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وهذا ليس أمرا مستغربا إذ إن حجم
التبادل التجاري بين السعودية واليابان ارتفع بنسبة 42 في المائة خلال العام
الماضي على أساس سنوي، حيث قفز إلى 178 مليار ريال (47.4 مليار دولار)، مقابل 125.3
مليار ريال (33.4 مليار دولار) في 2021.
ومن الواضح إن اليابان
والسعودية ستواصلان تنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها خلال زيارة الملك سلمان بن
عبد العزيز آل سعود لليابان في العام 2017. وتغطي الاتفاقيات الموقعة مجموعة بارزة
من المجالات، أهمها تسعة وهي الأمن الغذائي والزراعي، والإعلام والترفيه، والعناية
الطبية، البنية التحتية، المال والاستثمار، الصناعات التنافسية، الطاقة، بناء
المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والثقافة والرياضة والتعليم.
ولا شك إن تطوير
العلاقات السعودية مع اليابان، سينعكس بشكل إيجابي على العلاقات الصينية السعودية،
إذ أن اليابان والصين تلعبان دورا اقتصاديا تكامليا، وعلاقاتهما مع السعودية هي
مؤشر إيجابي. الصين هي قوة عالمية عظمى، وتساهم من خلال سياسة الانفتاح والسلام
والتعاون في تمتين العلاقات الدولية بين كل الدول المحبة للسلام. كذلك، اليابان هي
دولة متفوقة تكنولوجيا وصناعيا وتسعى لبناء العلاقات الاقتصادية الناجحة، تماما
كالصين التي باتت مركزا عالميا للصناعات المتطوّرة في شتى الميادين. وكلما ازداد
التعاون بين الدول ابتعدنا تلقائيا عن لغة الصراعات والحروب، ونحن بأمس الحاجة
خصوصا في عالمنا العربي إلى علاقات مزدهرة بين السعودية واليابان من جهة والسعودية
والصين من جهة أخرى، وكلّ هذا يصب في مصلحة السعودية وباقي البلدان العربية.
أما الاتفاقيات الـ 26
التي تم توقيعها خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا فهي تشكل امتدادا
للاتفاقيات السابقة. وأعتقد إن إطلاق الاتفاقيات الجديدة يمهّد لبزوغ حقبة جديدة
في شراكة المملكة واليابان تجاه تنفيذ رؤية 2030، وإضافة عناصر جديدة تتمحور حول
تحوّل الطاقة والمناخ وصناعة المواد المتقدمة والبطاريات وأشباه المواصلات والصحة
والتقنية المالية والتمويل والصادرات والخدمات اللوجستية والسياحة والترفيه وتقنية
المعلومات.
باختصار أنا أرى في
السعودية قوة عالمية في طور النشوء وهي لا شك تسير على طريق التفوّق والنمو، وهذا
أمر لا ينعكس على علاقاتها مع اليابان ودول الشرق الأقصى مثل الصين فحسب، بل أيضا
على علاقاتها العربية، الإقليمية والعالمية.
تعليقات
إرسال تعليق