شاحنة «حزب الله» فجّرت نفوساً مشحونة... ووزير الدفاع في مرمى «الرصاص الطائش»

الراي / وسام أبوحرفوش وليندا عازار

لبنان فوق صفيح ساخن. عنوانٌ لم يَعُد يحتاج إلى «أدلّة»، بعدما صارتْ «مكشوفةً» عوارضُ دخول البلاد مرحلةً محكومة بـ «قواعد اشتباك» جديدة يطغى البُعد الأمني فيها على الأزمة الرئاسية المستعصية وبتوقيتٍ بالغ الحساسية في المنطقة التي تستعيد وضعية التمترس خلف أكثر من خندقٍ على رقعةٍ متشابكة تطلّ حتى على «ملعب النار» الأوسع في أوكرانيا.

وتحت وطأة مظاهر التفلت الأمني المتوالي والمتنقّل، من «هبة النار» في مخيم عين الحلوة (صيدا) التي مازال جمرها تحت الرماد، مروراً بتكشُّف مقتل عضو المجلس المركزي في حزب «القوات اللبنانية» الياس حصروني في عين ابل (الجنوب) عن عملية اغتيال مدبّرة ومحترفة، وصولاً إلى الأحداث الدامية في منطقة الكحالة بين «حزب الله» والأهالي على خلفية انقلاب شاحنة محمّلة بالذخائر تابعة للحزب عند كوعها الشهير، وليس انتهاءً بوقوع وزير الدفاع موريس سليم في مرمى ما رُجّح أنه «رصاص طائش» أصاب سيارته وكان بداخلها شرْق العاصمة وأشيع أنها كانت محاولة اغتيال... بدا من الصعب على الكثيرين الاقتناع بأن هذه التطورات المتلاحقة ليست «متسلسلة» وأنها مجرّد مصادفات «ملعونة».

وعاش لبنان أمس، يوماً عصيباً انفلشتْ فيه تشظياتُ «قطوع الكحالة» - الذي يُخشى ألّا يكون انتهى - على الأرض وفي السياسة، بعد ليلٍ من حبْس الأنفاس انطبع بمواجهةٍ غير مسبوقة حول شاحنة أسلحة لـ «حزب الله» كانت في طريقها من البقاع الى بيروت عبر الطريق الدولية (الكحالة) حين انقلبتْ وحاصرها أهالي المنطقة بعدما اشتبهوا بحمولتها، لتتدحرج الأحداث من رمي الحجارة عليها وعلى عناصر الحزب الذين كانوا مولجين بمواكبتها وحمايتها، ثم حصول إطلاق نار أفيد بأنه بدأ في الهواء لردّ الغاضبين، قبل أن يختلط الحابل بالنابل ويندلع اشتباكٌ متبادَل يسقط فيها فادي البجاني (من الكحالة) وأحمد القصاص (من حزب الله)، فيما انتقل التوتر بعدها إلى خط الأهالي - الجيش اللبناني خلال محاولته سحْب الشاحنة ونقل محتوياتها وهو ما اعترض عليه السكان الحانقون. فعلى الأرض تمدّدت أمس أحداث الكحالة وشاحنتها التي استحضر معها البعض «بوسطة عين الرمانة» التي أقلعت على متنها الحرب الأهلية في 13 ابريل 1975.

تشييع وُجّه رصاصه «الطائش» شرقاً

وقد تحوّل التشييع الحاشد للقصاص في الضاحية الجنوبية لبيروت عراضة مسلّحة تخلّلها إطلاق نار وُصف بـ «الهستيري» والكثيف وُجّه رصاصه «الطائش» شرقاً حيث طاول مناطق عدة بينها الحازمية - جسر الباشا، حيث كان يمرّ وزير الدفاع الذي أصاب الزجاج الخلفي لسيارته، وسط تقارير أولية تحدثت عن محاولة اغتيال قبل أن تتراجع هذه الفرضية لمصلحة فرَضيةٍ لا تقلّ إثارة، وهي وقوعه في شِباك فلتان السلاح ونيرانه العشوائية، وإن كانت هذه المرة «موجَّهةً» أكثر ومحمَّلة برسائل لمَن يعنيهم الأمر في ضوء ما عبّرت عنه مشهدية ليل الكحالة الحزين والطويل.

وفي السياسة، وفيما كان هدير الواقع الأمني «يثبت» الخشيةَ التي عبّرت عنها التحذيراتُ الخليجية عقب مواجهات عين الحلوة ويعز المخاوف من انتقال البلاد إلى حال من انعدام الجاذبية الأمنية القابلة للتوظيف في أكثر من اتجاه وملف ولا سيما الرئاسي، تفشّت مناخاتُ تصعيدٍ عالٍ متعددّة الجبهة، من «حزب الله»، إلى المعارضة، فـ «التيار الوطني الحر» الذي بدا أنه أصيب في منطقة له حضور شعبي وازن فيها، ويُعتبر البجاني الذي قُتل بأكثر من رصاصة خلال تبادله إطلاق النار مع عناصر «حزب الله» من القريبين منه (ابنته تعمل في قناة أو تي في) كما أنه من المرافقين السابقين للوزير ايلي حبيقة (اغتيل في 2002).

فحزب الله الذي لطالما رفع شعار «السلاح يحمي السلاح» و«اليد التي تمتدّ عليه سنقطعها»، رفع السقف على عكس ما توقّعه البعض، حيث وضعت كتلة نوابه ما حصل في الكحالة، ضمن إطار «العبث باستقرار لبنان وتفاقم المشكلات فيه منذ ما بعد 14 آب / أغسطس 2006» (ما يعتبره انتصاراً في حرب تموز / يوليو) إلى يومنا هذا و«التعبير الانتقامي المتوالي عن خيبة الدول والقوى التي رعت الإرهاب الصهيوني وحربه العدوانية على لبنان لإخضاع شعبه وإرغامه على الانخراط في مسار التطبيع».

ودانت الكتلة بشدة «التوتير المبرمج والظهور الميليشيوي المسلّح الذي شهدته بلدة الكحالة عقب انقلاب شاحنة عند أحد منعطفاتها، وتعرُّض أفرادها للاعتداء في محاولة للسيطرة عليها وإطلاق النار الموجَّه الذي أدّى إلى استشهاد أحد الإخوة، وإعاقة تدخّل الجيش اللبناني ومحاولة منعه من ضبط الاستفزاز»، معتبرة ذلك «نتاج التحريض والتعبئة الغبيّة والحاقدة التي تشكّل مادّة فتنويّة يعمد إلى توظيفها قاصرو النظر أو المتورطون في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين»، ولافتة الى أن «هذا التوتير وما نجم عنه هو بعهدة التحقيقات الجارية لتأكيد الوقائع وكشف المتورطين والمحرضين وسوقهم الى العدالة».

من جهته، سارع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى إجراء «إسقاطاتٍ» لما عبّرت عنه أحداث الكحالة على الملف الرئاسي على طريقة «كنتُ أعلم»، غمز فيها من أن حماية المقاومة لا تكون بشخص الرئيس (سليمان فرنجية) ولا تكفيها أولوية وحدة البيت الشيعي، وذلك في وقت كانت علامات الاستفهام تتطاير حول إذا كان ما جرى على كوع الكحالة سيشكل منعطفاً في الحوار المستعاد بين التيار والحزب ومآلاته المحتملة.

وكتب باسيل على منصة «اكس»: «كوع الكحالة له رمزيّته النضالية الكبيرة في وجداننا كلّنا. وما حصل (أول من) أمس له دلالته الكبيرة لجهة أنّه هناك أماكن ومواقع وشعب عصيّ على أي إساءة، ويدلّ على أهميّة ان تكون المقاومة محتضَنة من الشعب اللبناني، وإلا تفقد مناعتها وقوّتها. (مَن) يحمي ظهرها شعب وليس شخص. الدلالة كبيرة أنه لا يكفي أن تكون هناك وحدة شيعية، على أهميتها، كي تكون المقاومة بخير والبلد بخير. والدلالة كبيرة على أهمية الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي تنظّم موضوع السلاح، كي لا يشعر أحد بخطر منه في أي منطقة من لبنان. الطرق والتواصل في قلب البلد أهم بكثير من المحاور والممرّات والمعابر خارجه. صدّقوني، رحمةً بالبلد وبالشهداء، رحم الله شهداء الأمس وأبو يوسف (البجاني) سيبقى يرافقنا، وبتبقى الكحالة وكوعها رمز العنفوان والصمود».

لا تعايش مع «سلاح الدويلة»

أما المعارضة فكانت في غالبيتها، بما فيها الأحزاب المسيحية، تعتبر أن ما حصل يؤكد المؤكد «لجهة استحالة التعايش مع سلاح الدويلة»، مع توجيه البعض انتقاداتٍ لأداء الجيش اللبناني وكيفية إدارته الواقع على الأرض بعد انقلاب الشاحنة وأسئلة وُجهت إلى قيادته عن مصير شحنة الذخائر التي كانت المؤسسة العسكرية أكدت في بيان لها أنها نُقلت الى أحد مراكزها.

وفيما لم توفّر الانتقاداتُ بيانَ الجيش الذي أعلن أنه «لدى انقلاب شاحنة تحمل ذخائر على طريق عام الكحالة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال (...) وفجر 10/ 8 /2023 قامت القوة برفع الشاحنة وفتح الطريق بالاتجاهين»، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن الجيش وقائده العماد جوزف عون كانا بين فكيّ كماشة ليل الأربعاء، نظراً إلى التداعيات السلبية خارجياً لظهور المؤسسة العسكرية «تحمي» شحنة سلاح للحزب (لم يصدر أي توضيح عن طبيعة ما كانت الصناديق تحويه ولا حُسم مصير الشحنة وهل ستبقى بعهدة الجيش أم تعاد إلى الحزب)، ناهيك عن الارتدادات «الحارقة» لعون مسيحياً (هو المطروح اسمه رئاسياً) فيما لو تمادت الصِدامات مع الأهالي على الأرض، والتي أصاب بعضها الإعلام، كما حصل مع مراسل «العربية» في مشهدية عاود السفير السعودي في بيروت وليد بخاري نشرها على منصة «أكس».

نضال وجودي وكياني

وكان موقف رئيس «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل معبّراً عن الأبعاد الخطيرة لما شهدتْه الكحالة وما بعد أحداثها إذ أعلن متوجّهاً «إلى رفاقي الكتائبيين: إعلموا أن حزبكم انتقل الى مرحلة جديدة، وابتداءً من اليوم نضالنا وجودي وكياني ولم يعد نضالاً سياسياً تقليدياً»، مؤكداً «لن نستسلم ونحن بجهوزية للوقوف إلى جانب أهلنا في كل المناطق وإلى جانب مؤسسات الدولة التي يجب أن تطبق القانون وتحقق المساواة، ولسنا مستعدين للتعايش مع ميليشيا مسلّحة في لبنان وهذا ستتبعه خطوات عملية واجتماعات للمعارضة وقرارات، وندعو المعارضة لأن تكون حازمة في هذا الموضوع واتخاذ القرارات اللازمة وإلا لن نكون على قدر المسؤولية».

وكان صدر عن منطقة عاليه في «القوات اللبنانية» ليل الأربعاء، بيان جاء فيه: «مرة جديدة يدفع اللبنانيون ثمن التفلت الأمني وانتشار السلاح غير الشرعي، وهذه المرة كانت الكحالة الأبيّة مسرحاً لاستعراض فائض القوة وإطلاق النار المباشر في اتجاه المدنيين».

وتتجه الأنظار اليوم إلى مَراسم تشييع البجاني في الكنيسة الواقعة عند كوع الكحالة والتي كانت أجراسها قُرعت خلال المواجهة ليلاً، وقد أصدرت العائلة بياناً أمس، حدد وقائع يوم الوداع الذي سيكون «شعبياً ومن دون أي مراسم بروتوكولية»، مع الطلب «من جميع المحبّين المشاركين في التشييع عدم إطلاق الرصاص إطلاقاً حفاظاً على جلالة الموقف».

وكان أهالي الكحالة أصدروا ليلاً بياناً اكدوا فيه «أن مسلحين كانوا يواكبون الشاحنة المحمّلة بالأسلحة أطلقوا النار مباشرة على أبناء الكحالة وتسبّبوا بقتل الشاب فادي بجاني».

أما لبنان الرسمي، فحاول «اللحاق» بالأحداث، حيث تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي«مع قائد الجيش ملابسات الحادث الذي حصل في الكحالة وطلب الإسراع في التحقيقات الجارية لكشف الملابسات الكاملة بالتوازي مع اتخاذ الإجراءات الميدانية المطلوبة لضبط الوضع»، داعياً «الجميع الى التحلي بالحكمة والهدوء وعدم الانجرار وراء الانفعالات وانتظار نتيجة التحقيقات الجارية».

وأشار وزير الداخلية القاضي بسام مولوي في مداخلة مع قناة «الحدث» الى «التنسيق بشكل دائم مع الجيش لحماية السلم الأهلي فالشعب لا يريد سوى الجيش الشرعي»، مؤكداً «أن قيادة الجيش تفعل ما يجب تحت إشراف القضاء، ولا يمكن للجيش التصرف بمضبوطات شاحنة الكحالة دون إذن قضائي»، ومشدداً «على أن أي تجاوز للشرعية هو مصدر قلق للسلطات».

تعليقات