بدأت
مع الثورة الصناعية..
فقد
كانت الثورة الصناعية في حاجة إلى عنصرين أساسيين: المال الوفير الذي يمكن أن ينشئ
المصانع، والعمال المحشودين في المدن التي تقوم فيها المصانع.
فأما
العمال فقد كانوا محتجزين في الأرض الزراعية التي يملكها أمراء الإقطاع، وكانوا عبيدا
في تلك الأرض لا يملكون الانتقال منها إلى المدينة، بل لا يملكون الانتقال من
إقطاعية إلى أخرى إلا بإذن أمير الإقطاعية، وإلا اعتبروا عبيدا آبقين، وأعيدوا إلى
أرضهم موسومين على جباههم بالنار..
وكان
لا بد من تحطيم الإقطاع من أجل تغذية الثورة الصناعية بالعمال..
وقامت
الثورة الفرنسية بذلك.. وحررت " عبيد الأرض " ومنحتهم حرية الانتقال.
ومعلوم
لكل الناس دور اليهود في إشعال الثورة الفرنسية عن طريق الجمعيات الماسونية
المنتشرة يومئذ في فرنسا، وإن كان قول اليهود إنهم هم الذين صنعوا الثورة الفرنسية
تبجح يتجاوز الواقع، فلولا الغضب المكبوت المتراكم خلال القرون من مظالم الإقطاع
وفظائعه ما استطاع اليهود أن يفجروا الثورة على النحو الذي فعلوه..
وأما
المال اللازم لإدارة الثورة الصناعية فلم يكن متوافرا إلا عند فئتين اثنتين في
أوربا في ذلك الحين، هما أمراء الإقطاع والمرابون اليهود.
أما
أمراء الإقطاع فقد امتنعوا تماما عن تمويل الثورة الصناعية! فهم بادئ ذي بدء
فلاحون (وإن كانوا أمراء بالاسم!) والفلاح لا يغامر بتشغيل ماله في غير الدورة
الزراعية التي يحفظها عن ظهر قلب، ويحفظ تقلباتها واحتمالاتها. فهو يلقي البذرة في
الأرض، ويتعهدها حتى تخرج محاصيلها، فيستهلك منها ما يستهلك لنفسه، ويحتجز ما
تحتاج إليه الأرض من "التقاوى " للزراعة القادمة، ويبيع الفائض في
السوق..
ثم
إن الثورة الصناعية في أول عهدها لم تكن رابحة في كثير من الحالات! فلم تكن هناك
كثافة سكانية كبيرة في المدن، ولم تكن هناك طرق معبدة لتصريف الإنتاج على نطاق
واسع، ولم تكن هناك وسائل إعلان.. وكلها من الضرورات التي لا تستغني عنها الصناعة
الرابحة.
وفضلا
عن ذلك فقد كانت هناك معوّقات نفسية تقف في وجه الثورة الصناعية، فقد كان الناس -
في سذاجتهم - لا يرحبون بالإنتاج الآلي، لأن به - كما يعتقدون - مس شيطان وأنه
سيمحو البركة من حياتهم، وكانوا لذلك يفضلون عليه الإنتاج اليدوي!
وأما
المرابون اليهود فقد أقبلوا على تمويل الثورة الصناعية بشغف شديد، ولعاب سائل! ذلك
أنهم لا يشغّلون أموالهم مباشرة، ولا يتعرضون للربح والخسارة، وإنما يقرضونها
بالربا، والمقترض يكسب أو يخسر حسب ظروفه وظروف السوق، أما هم فقد ضمنوا أموالهم -
قبل إقراضها - وضمنوا إلى جانبها مكسبهم الربوي عن طريق الشروط التي يضعونها
للإقراض !
وبذلك
وقعت الثورة الصناعية في قبضتهم منذ اللحظة الأولى، وصاروا هم مديريها ودهاقنتها.
وعن
طريق الأرباح الربوية الضخمة اشتروا الذهب، وتحكموا به في عملات الأرض، ثم اشتروا
وسائل الإعلام، ثم اشتروا الساسة وضمائرهم.. وسيطروا على كل الأرض! وحين سيطروا
أثاروا الحروب بين الدول لترويج صناعة السلاح - وهم روادها وتجارها من قديم -
فزادت صناعة السلاح من ثرواتهم، ومن قدرتهم على التحكم في مقدرات البشرية!
🔸تلك - باختصار شديد - قصة السيطرة اليهودية
التي تهيمن الآن على الناس. وفي طياتها كثير من التفصيلات التي لا يتسع المقام هنا
للحديث فيها، إنما نذكر منها مجرد ذكر: نشر الفساد الخلقي، والفوضى الجنسية، والإلحاد،
والمخدرات، وألوان الجنون المختلفة: جنون الكرة، وجنون السرعة. وجنون الرقص. وجنون
الأزياء (الموضة)..
إلى
جانب النزاعات الدولية المستمرة التي تؤدي إلى جنون التسلح..
والآن
يأتي السؤال:
ما دور
الأمة الإسلامية في كل ذلك؟ أو بالأحرى ما مسئوليتها في كل ذلك؟
إن
مسئوليتها أعظم بكثير، وأخطر بكثير مما يدور في خلدها في وضعها الراهن، وهي مقهورة
مستذلة مستضعفة، تنهال عليها الضربات من كل جانب.
فلو
أنها كانت قائمة برسالتها على الوجه الصحيح، عاملة بمقتضيات تلك الرسالة في عالم
الواقع، فأين كان يتوقع أن تقوم الثورة الصناعية ابتداءً؟
كانت
ستقوم بطبيعة الحال في أكثر البلاد تقدما من الناحية العلمية والعملية.. فأين كان
ذلك في أيام قيام الأمة برسالتها؟ ألم تكن في بلاد المسلمين، في الأندلس. وصقلية
الإسلامية، وفي بلاد المشرق المختلفة؟
ولو
قامت الثورة الصناعية - المنبثقة من اختراع الآلة - في داخل العالم الإسلامي، فهل كانت
ستقوم على الربا، المحرّم في شريعة الله؟
وحين
ينسد هذا الباب - الذي نفذ منه اليهود بضراوة - فهل كان سيتاح لهم كل ما أتيح لهم
من سيطرة عن طريق الربا وجمع الذهب وشراء ضمائر الساسة وإفساد الأخلاق؟!
الإجابة
واضحة
أو
لعلها الآن قد وضحت..
ـــــــــــــــــــ
من
كتاب: المسلمون والعولمة
محمد
قطب رحمه الله
من صفحة إحسان الفقيه
تعليقات
إرسال تعليق