أن تكون منتميًا إلى دين يأمر بالإنصاف مع الظالم بالإحسان إلى الأسير

مهاب السعيد  

أرى مشاهد إحسان القـسـام للأسرى وإحسان القــتـل للجنود الصهــايـنة الملعونين، دون تنكيل أو تعذيب أو إهانة، في مقابل ما نعلم من إجـرام ألـعـن وأخـبث خلق الله أجمعين.

أرى هذا من الجمال الوجودي الكامن وراء السؤال المتردد دومًا: أليس أهل كل ملة يظنون أنهم على الحق وسواهم على الباطل؟ أليس أصحاب كل منهج يقيسون صوابية الأديان والمناهج الأخرى بناء عليهم؟

هنا فأنت ترى جانبًا لم تعتده، ذلك الجانب الخاص بفعل أصحاب الدين الحق مع أشد وألعـن الأعداء، في مقابل نسيان كل تلك الحقوق والأمور عند أصحاب الكثير من الملل المحرفة الباطلة.

أن تكون منتميًا إلى دين يأمر بالإنصاف مع الظالم، بالإحسان إلى الأسير، بصيانة العهد مع الخائن، بالصدق مع الكاذب، بحفظ سر الغشاش، بالأمانة مع اللص، بإحسان القـصاص مع السفـاح.

يعني هذا أنك لستَ في واحد من الملل المتنافسة على (الادعاء) بل أنتَ قد تعاليتَ وبشكل طبيعي جدًا مع ملل طبيعانية لا تعرف إلا لغة الطبيعة من القوة والضعف والتملّك وإثارة الخوف. بينما وحدك تسعى إلى القسط والعدل قبل الانتقام والثأر.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: واجعل ثأرنا على من ظلمنا. أي لا نتجاوزه إلى من لم يظلمنا.

وعن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبـر فيخرص بينه، وبين يـهود خـيبر، قال: فجمعوا له حليًا من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك، وخفف عنا، وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهـود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

واسْتَبَّ رَجُلَانِ مرة رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، ورَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، قالَ المُسْلِمُ: والذي اصْطَفَى مُحَمَّدًا علَى العَالَمِينَ، فَقالَ اليَهُودِيُّ: والذي اصْطَفَى مُوسَى علَى العَالَمِينَ، فَرَفَعَ المُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذلكَ، فَلَطَمَ وجْهَ اليَهُودِيِّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهُ بما كانَ مِن أمْرِهِ وأَمْرِ المُسْلِمِ، فَدَعَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُسْلِمَ، فَسَأَلَهُ عن ذلكَ، فأخْبَرَهُ، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُخَيِّرُونِي علَى مُوسَى؛ فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَومَ القِيَامَةِ، فأَصْعَقُ معهُمْ، فأكُونُ أوَّلَ مَن يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ العَرْشِ، فلا أدْرِي أكانَ فِيمَن صَعِقَ فأفَاقَ قَبْلِي، أوْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ.

وجاءَ أعرابيٌّ يومًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ دَينًا كانَ عليْهِ فاشتدَّ عليْهِ حتَّى قالَ لَهُ أحرِّجُ عليْكَ إلَّا قضَيتَني فانتَهرَهُ أصحابُهُ وقالوا ويحَكَ تدري من تُكلِّمُ قالَ إنِّي أطلبُ حقِّي فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ هلَّا معَ صاحبِ الحقِّ كنتُم ثمَّ أرسلَ إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ فقالَ لَها إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنَقضِيَك فقالت نعَم بأبي أنتَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ فأقرضَتْهُ فقضى الأعرابيَّ وأطعمَهُ فقالَ أوفيتَ أوفى اللَّهُ لَكَ فقالَ أولئِكَ خيارُ النَّاسِ إنَّهُ لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ.

نحن الأمة الي يأخذ الضعيفُ فيها حقَّه غير متعتع! حتى لو كان هذا الضعيف أعرابي غليظ القلب واللسان، أمام أشرف الخلق أجمعين وأفضل من وطأ الثرى.

نحن أمة لا كالأمم، ودين لا كالأديان، وصراط مستقيم من لدن الله عز وجل لا يخضع لموازين البشر ولا يرضى بقوانين الطبيعة والطين.


تعليقات