كيف يصنع العقل أوهامه؟

د. عبد الكريم بكار

تخيّل أنك تمشي في طريقٍ مظلم، فترى ظلًّا يتحرّك!

يتسارع قلبك، وتتوتر عضلاتك، وربما تتجهز للهرب…

ثم تكتشف أن الظل ما هو إلا قطة!

فما الذي حدث؟ وكيف خدعك عقلك؟

العقل البشري لا ينتظر الحقيقة، بل يبني توقّعات.

وهذه التوقعات ليست عشوائية، بل تُصنع من الماضي، والتجارب، والمعلومات المتراكمة.

ففي كل لحظة، عقلك يُكمل الصورة الناقصة، ويملأ الفراغات، ويقدّم لك “الواقع”… كما يتخيله هو.

علماء الأعصاب يسمّون هذا: الاستدلال التنبؤي (Predictive Processing).

بمعناه البسيط:

عقلك لا يرى، بل يتوقّع ما يجب أن يُرى.

فإذا جاءت الحواس بمعلومة تؤكد التوقّع، قبِلَها فوراً.

وإذا جاءت بخلافه؟ فقد يُعدّل التوقّع... وقد يُكذّب الحواس!

وهنا مكمن الخطورة التربوية والفكرية: إذا نشأ الإنسان على أفكار ضيقة، وقناعات غير ممحصة، صار عقله يصنع "أوهاماً" تشبه الواقع، لكن لا تمتّ له بصلة.

ولهذا كان من أعمق ما قاله الغزالي: "العقل كالنظّارة، يريك كل شيء، لكنه لا يريك نفسه."

فكيف نربّي أنفسنا وأبناءنا على عقلٍ يبصر الحقيقة، لا يتوهّمها؟

بأن نعلّمهم فضيلة الشك المنضبط، لا التلقّي الأعمى.

بأن ندرّبهم على السؤال قبل التصديق، والتحقّق قبل التكرار.

وأن ندرك أن تحرير العقل هو أول أبواب الهداية.

في عصر المعلومات، لم يعد الخطر في قلّتها، بل في وهم اليقين. فكن حذراً من أن ترى ما لا وجود له… لأنك كنت تتوقّعه! 

تعليقات