برج النار و الفنادق.. أُولى الجبهات التي فُتحت في الحرب الأهلية اللبنانية

 

بوابة صيدا

 “برج الموت والفنادق” هو اللقب الذي استحقه حي الفنادق الراقي، الذي تحوّل فجأةً من رمزٍ للرفاهية والسياحة إلى ميدان معركة مفتوح لا يرحم.

معركة الفنادق لم تكن مجرد صراع على مبانٍ شاهقة؛ بل تحوّلت إلى ساحة رمزية تنقسم فيها مدينة بيروت بين الشرق والغرب، بين الماضي الزاهي والحاضر المشتعل. فالحشود المسلحة تصاعدت من برج المرّ، القناصة اشتهروا من شرفات الفنادق، والفنادق التي كانت تستقبل زواراً من كل العالم أصبحت أماكن للاختباء، للهروب، وللقتال.

تقرير اليوم سوف يأخذكم إلى قلب “برج الموت والفنادق” لنُسَلّط الضوء على، كيف بدأت المواجهة؛ من شنّ هجوم مباغت، إلى السيطرة على مواقع استراتيجية، إلى القصف من الطوابق العليا، إلى النجاة تحت أنقاض الفخامة المتداعية.

بحلول نيسان / أبريل 1975، كانت التوترات الطائفية والسياسية بين الفصائل المسيحية من جهة، والفصائل اللبنانية الوطنية والفلسطينية من جهة أخرى قد بلغت درجة عالية. 

حيّ الفنادق في بيروت، الذي يتضمّن فنادق كـ الفينيسيا، هوليداي إن، سان جورج وغيرها، كان من الأحياء الفخمة، ذو رمزية كبيرة، وموقع استراتيجي لأنه يطل على البحر ومرتفع نسبياً، ما يعطيه أفضلية مراقبة على الأحياء المحيطة.

من من جهة أخرى، مبنى برج المرّ – المبنى غير المكتمل آنذاك – كان مهمًا تكتيكيًا لأنه مرتفع ويمكن استخدامه لمراقبة وإطلاق النيران نحو المناطق المحيطة به..

في 24 تشرين الأول / أكتوبر 1975م (19 شوال 1395هـ) شنت حركة الناصريين المستقلين — قوات المرابطون هجومًا مفاجئًا لاحتلال برج المرّ الذي كان مركزاً مهماً تستخدمه الكتائب وحلفائها للتقنيص وخطف المواطنين...

كانت المواجهة العسكرية في هذه المعركة بين الكتائب اللبنانية، وحراس الأرز، الوطنيين الأحرار من جهة (الجبهة المسيحية) وحركة الناصريين المستقلين - قوات المرابطون من جهة أخرى.

تمكن المرابطون بعد مواجهات عنيفة من السيطرة على البرج بالكامل، فسارعت الكتائب بإرسال مقاتلين بقيادة بشير الجميل لدعم وحداتهم، وقامت بنشر اعداد كبيرة من القوات العسكرية المدعومة بوحدات من الجيش اللبناني الموالي لهم في منطقة الفنادق والقطاع الرابع من بيروت.

استطاع المرابطون بعد خمسة ايام من المعارك مع الكتائب من السيطرة على الطرق المؤدية إلى فندق هوليداي إن، وفندق سان جورج، وفندق فينيسيا، دون الدخول إليهم..

في 29 تشرين الأول 1975م (24 شوال 1395هـ) قام رئيس الحكومة (الراحل) رشيد كرامي بفرض وقف لإطلاق النار لإجلاء موظفي ونزلاء الفنادق، وخاصة من فندق هوليداي الذي كان يتواجد فيه أكثر من 200 شخص، معظمهم من السياح.

بعد انتهاء عملية إجلاء الموظفين والنزلاء، هاجمت الكتائب المناطق القريبة من الفنادق، لفتح الطرق المؤدية إليهم، فدارت معارك عنيفة بين الطرفين، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وباءت المحاولة بالفشل..

في تشرين الثاني / نوفمبر حاول الرئيس رشيد كرامي وقف المعارك بين الطرفين، فطالب الطرفين بالانسحاب من الفنادق، وافق المرابطون على الإنسحاب من برج المر، مقابل سيطرة قوى الأمن الداخلي عليه، بينما رفضت الكتائب الإنسحاب من مواقعها، مما أدى إلى فشل مساعي الرئيس كرامي..

في 9 كانون الأول / ديسمبر 1975م (6 ذو الحجة 1395هـ) هاجم المرابطون بقيادة قائدهم إبراهيم قليلات فندق فينيسيا مستخدمين لأول مرة في المعركة مدافع عيار 106 وقذائف بي 7، وقد استطاعوا السيطرة عليه..

في 10 كانون الأول / ديسمبر 1975م (7 ذو الحجة 1395هـ) شن المرابطون هجوما على فندق هيلتون وصدت هجوما على احد مواقعها في فندق الكازار، واستطاعت بعد ثلاثة ايام من المعارك الضارية من السيطرة على الفندق..

في 15 كانون الأول / ديسمبر 1975م (12 ذو الحجة 1395هـ) وافق الطرفان على وقف إطلاق النار، استجابة لمساعي الجامعة العربية..

في 20 آذار / مارس 1976م (20 ربيع الأول 1396هـ) رد المرابطون على عمليات الخطف على الهوية التي بدأت الكتائب اللبنانية تنفيذها بحق المسلمين، بهجوم واسع على فندق الهوليداي، فاستطاعوا السيطرة عليه، إلا أنهم اضطروا للإنسحاب بعد هجوم واسع من الكتائب، ثم مالبثوا أن شنوا هجوماً جديداً استطاعوا من خلاله فرض سيطرتهم الكاملة على الفندق ومحيطه.

أكمل المرابطون معركتهم، فسيطروا خلال ثلاثة ايام على جميع المواقع العسكرية على طول خطوط الإشتباكات، وتمكنوا من فرض سيطرتهم الكاملة على القطاع الرابع من بيروت وصولا الى ساحة الشهداء وشارع اللنبي.

سقط في هذه المعارك أكثر من 1000 قتيل، وما يزيد عن 2000 جريح من الطرفين ومن المدنيين..

وكانت نتيجة المعارك، تقسيم بيروت، وتهجير معظم المسيحيين من بيروت الغربية، وتهجير المسلمين من بيروت الشرقية..

شهادات من شهود العيان

في مقابلة مع مقاتل من الجبهة الوطنية (المقاتلين المسيحيين) يُدعى ميلاد، روى كيف أن الفندق أصبح “برج موت” أو “برج للموتى” لأنه كان موقعًا قاتمًا للمواجهات: يقول  “طاردونا (اي المرابطون) من طابق إلى طابق، من غرفة إلى غرفة، من عمود إلى عمود.”

وقال لوكالة فرانس برس "كنت أنا واثنان من رفاقي آخر من غادروا" قبل أن يستولي الفلسطينيون وحلفاؤهم على الفندق.

وقال "انتظرنا حتى الفجر، ووضعنا الكوفية (الفلسطينية) التي أخذناها من المقاتلين الفلسطينيين القتلى"، مضيفا أن تنكرهم سمح لهم بالهروب بشكل نظيف.

ويتذكر ساسين، رفيقه في السلاح، كيف "تحولت كراسي وطاولات الفندق إلى حواجز"، وكيف أتت النيران على الأخشاب في الغرف.    

تعليقات